(وَلَهُمْ عِنْدِي مَزِيدٌ وَلَهُمْ ... مِنْ نَوَالِي مَا أَحَبُّوا طَرَفَا)
(فَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ إِذْ قَصَدُوا ... نَحْوَ بَابِي يَطْلُبُونَ الزُّلْفَى)
(فَلَهُمْ مِنِّي مَهْمَا أَمَلُّوا ... سَلَفًا يَنْمَى وَيُنْشِي خَلَفَا)
قَدْ أَحْرَمَ الْقَوْمُ عَنِ الْحَلالِ فَأَحْرِمُوا أَنْتُمْ عَنِ الْحَرَامِ، مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الطَّيِّبِ فَاحْذَرُوا أَنْتُمْ جِيفَةَ الْهَوَى، يَا حُسْنَهُمْ وَقَدْ نَزَعُوا الْمَخِيطَ وَنَزَعُوا عَنِ التضييع والتفريط، وملأوا بِالتَّضَرُّعِ الْبَسِيطِ، فَارَقُوا لأَجْلِ مَوْلاهُمْ أَوْلادَهُمْ، وَأَعْرَوْا عَنْ رَقِيقِ الثِّيَابِ لَهُ
أَجْسَادَهُمْ، وَتَرَكُوا فِي مَرَاضِيهِ مَحْبُوبَهُمْ وَمُرَادَهُمْ، فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعْطَاهُمْ مَوْلاهُمْ وَأَمْسَوْا وَقَدْ أَفَادَهُمْ.
اسْتَسْعَاهُمْ إِلَيْهِ فَاجْتَهَدُوا وَجَدُّوا، وَتَزَوَّدُوا التَّقْوَى فِي طَرِيقِهِمْ وَاسْتَعَدُّوا، وَأَتْعَبُوا الأَعْضَاءَ فِي خِدْمَتِهِ وَكَدُّوا، وَطَرَقُوا بِأَنَامِلِ الرَّجَاءِ بَابَ اللجا فَمَا رُدُّوا، نَادَاهُمْ وَهُمْ فِي الأَصْلابِ وَالأَرْحَامِ، وَاسْتَصْلَحَهُمْ لِزِيَارَةِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَأَكْرَمَهُمْ بِالْغُفْرَانِ فَيَا نعم الإكرام، ورحم شعث الرؤوس وَغُبَارَ الأَقْدَامِ، وَأَنْتُمْ إِنْ بَعُدْتُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَقَدْ شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ، فَارْغَبُوا بِالتَّضَرُّعِ إِلَى الْمَلِيكِ الْعَلامِ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْفَضْلِ مَوْصُوفٌ بِالإِنْعَامِ.
ذُكِرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رحمه الله تعالى قال: صحبت جعفر الصَّادِقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يلبي تغير وجهه وارتعدت فرائصه فقلت: مالك يا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُلَبِّيَ. قُلْتُ: فَمَا يُوقِفُكَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَسْمَعَ غَيْرَ الْجَوَابِ!
وَقَفَ مُطَرِّفٌ وَبَكْرٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ: اللَّهُمَّ لا تَرُدَّهُمْ مِنْ أَجْلِي. وَقَالَ بَكْرٌ: مَا أَشْرَفَهُ مِنْ مَقَامٍ لَوْلا أَنِّي فِيهِمْ!
وَرُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَالنَّاسُ يَدْعُونَ وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ الثَّكْلَى الْمُحْتَرِقَةِ، فَلَمَّا كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَسْقُطَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: وَاسَوْأَتَاهْ مِنْكَ وَإِنْ عَفَوْتَ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute