قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سلالة من طين} .
الْمُرَادُ بِالإِنْسَانِ هَاهُنَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَالسُّلالَةُ فُعَالَةُ، وَهِيَ الْقَلِيلُ مِمَّا يُسَلُّ، فَاسْتَلَّ مِنْ كُلِّ الأَرْضِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ من قبضة قبضها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثم جعلناه نطفة} يَعْنِي ابْنَ آدَمَ. وَالْمُرَادُ بِالنُّطْفَةِ الْمَنِيَّ {فِي قرار} يعني الرحم {مكين} أي حريز قد هيىء لاستقراره فيه.
قوله تعالى: {ثم خلقنا النطقة علقة} والعلقة دم عبيط جامد. وسميت علقة لِتَعَلُّقِهَا بِمَا تَمُرُّ بِهِ، فَإِذَا جَفَّتْ فَلَيْسَتْ علقة. والمضغة لَحْمَةً صَغِيرَةً، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ.
{فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثم أنشأناه خلقا آخر} . وَفِي مَحَلِّ هَذَا الإِنْشَاءِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: بَطْنُ الأُمِّ. ثُمَّ صِفَةُ الإِنْشَاءِ فِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: نَفْخُ الرُّوحِ. رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيُّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
ثُمَّ فِي صِفَةِ هَذَا الإِنْشَاءِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ الإِنْشَاءِ أَنَّهُ اسْتَهَلَّ ثُمَّ دُلَّ عَلَى الثَّدْيِ وَتَقَلَّبَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِوَاءُ الشَّبَابِ. قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَالثَّالِثُ: خُرُوجُ الأَسْنَانِ وَالشَّعَرِ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute