وَرَدَ الْقِيَامَةَ عَادَتْ نَارُهُ نُورًا يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، فَإِذَا جَازَ عَلَى الصِّرَاطِ لَمْ تُقَاوِمْ نَارُ التَّعْذِيبِ نِيرَانَ التَّهْذِيبِ، فَتُنَادِي بِلِسَانِ الاعْتِرَافِ بِالتَّفْضِيلِ: جُزْ فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي!
فَإِنْ هُوَ حَضَرَ الْقِيَامَةَ عَلَى زَلَلٍ لَمْ تَصْدُقْ تَوْبَتُهُ مِنْهُ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُمُودَ نُورِهِ فَقَدْ خَبَتْ نَارُ حَذَرِهِ فِي بَاطِنِ قَلْبِهِ، فَإِذَا لَفَحَتْهُ جَهَنَّمُ فَأَحْرَقَتْ ظَاهِرَهُ أَحَسَّتْ بِأَثَرِ شُعْلَةِ الْخَوْفِ فِي بَاطِنِهِ فَكَفَّتْ كَفَّهَا عَنْهُ. فَلَوْ قِيلَ لَهَا أَيْنَ شِدَّةُ شِدَّتِكَ وَأَيْنَ حَدِيدَةُ حِدَّتِكَ لَقَالَتْ: لا مُقَاوَمَةَ لِي بِنِيرَانِ بَاطِنِهِ وَإِنْ قُلْتُ:
(يَحْرِقُ بِالنَّارِ مَنْ يُحِسُّ بِهَا ... فَمَنْ هُوَ النَّارُ كَيْفَ يَحْتَرِقُ)
هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ فَأَيْنَ إِيمَانُكَ هَذَا لِذِي الْحَسَنَاتِ وَقَدْ خَسَرَ مِيزَانُكَ، شَأْنُكَ الْخَطَايَا
فَهَلا قَرْحٌ شَانَكَ يَا مُهْمِلا نَفْسَهُ سَيَشْهَدُ جِلْدُكَ وَمَكَانُكَ، الْيَقَظَةَ الْيَقَظَةَ يَا نِيَامُ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ فَقَدْ سُلَّ الْحُسَامُ، الزُّهْدَ الزُّهْدَ قَبْلَ الْفِطَامِ، كَأَنَّكُمْ بِكُمْ فِي أَثْوَابِ السِّقَامِ تَرُومُونَ الْخَلاصَ وَقَدْ عَزَّ الْمَرَامُ، فَسَتَنْدَمُونَ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الآثَامِ، وَتَخْرَسُ الأَلْسُنُ وَيَنْقَطِعُ الْكَلامُ.
إِخْوَانِي: أَحْضِرُوا الْقُلُوبَ لِهَذا الْمَلامِ، تَاللَّهِ مَا أَكْرَمَ نَفْسَهُ مَنْ لا يُهِينُهَا، وَلا يَزِينُهَا مَنْ لا يَشِينُهَا.
دَخَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى غُلامٍ لَهُ يُعْلِفُ نَاقَتَهُ فَرَأَى فِي عَلَفِهَا مَا كَرِهَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ غُلامِهِ فَعَرَكَهَا ثُمَّ نَدِمَ فَقَالَ: افْعَلْ بِي مَا فَعَلْتُ بِكَ، فَأَبَى الْغُلامُ فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى فَعَلَ فَجَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَهُ: شُدَّ شُدَّ. حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ مِثْلُ مَا بَلَغَ ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: وَاهًا لِقِصَاصِ الدُّنْيَا قَبْلَ قِصَاصِ الآخِرَةِ.
كَانَ الْقَوْمُ تَحْتَ حَجْرِ الْمُحَاسَبَةِ وَكَأَنَّكَ مُطْلَقٌ.
كَانَ ابْنُ السَّمَّاكِ يَقُولُ: أَلا مُنْتَبِهٌ مِنْ رَقْدَتِهِ، أَلا مُسْتَيْقِظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، أَلا مُفِيقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، أَلا خَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ الْقِيَامَةَ تَخْفِقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute