أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ".
الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَرَادَ دُنْيَا وَآخِرَةً فَلْيَؤُمَّ هَذَا الْبَيْتَ، مَا أَتَاهُ عَبْدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى دُنْيَا إِلا أَعْطَاهُ مِنْهَا وَلا آخِرَةً إِلا ادَّخَرَ لَهُ مِنْهَا ".
وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُشَارُ بِهِ إِلَى التَّجَرُّدِ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُفَارَقَةِ الْمَحْبُوبَاتِ.
وَلْيَتَذَكَّرْ بِأَهْوَالِ الطَّرِيقِ الأَهْوَالَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْقِيَامَةِ، وَبِالإِحْرَامِ الْكَفَنَ، وَبِالتَّلْبِيَةِ إِجَابَةَ الدَّاعِي، وَلْيُحْضِرْ قَلْبَهُ لِتَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَلْيَتَذَكَّرْ بِالالْتِجَاءِ إِلَيْهِ الْتِجَاءَ الْمُذْنِبِ، وَبِالطَّوَافِ الطَّوَافَ حَوْلَ دَارِ السَّيِّدِ لِيَرْضَى، وَبِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ التَّرَدُّدَ إِلَى فِنَاءِ الدَّارِ، وَبِرَمْيِ الْجِمَارِ رَمْيَ الْعَدُوِّ.
وَكَمَا أَنَّ لِلأَبْدَانِ حَجًّا فَلِلْقُلُوبِ حَجٌّ؛ فَإِنَّهَا تَنَهْضُ بِأَقْدَامِ الْعَزَائِمِ وَتَمْتَطِي غَوَارِبَ الشَّوْقِ، وَتُفَارِقُ كُلَّ مَحْبُوبٍ لِلنَّفْسِ، وَتُصَابِرُ فِي الطَّرِيقِ شِدَّةَ الْجَهْدِ، وَتَرِدُ مَنَاهِلَ الْوَفَاءِ لا غُدْرَانَ الْغَدْرِ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى مِيقَاتِ الْوَصْلِ نَزَعَتْ مَخِيطَ الآمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَاغْتَسَلَتْ مِنْ عَيْنِ الْعَيْنِ، وَنَزَلَتْ بِعَرَفَاتِ الْعِرْفَانِ، وَلَبَّتْ إِذْ لَبَّتْ مِنْ لُبَابِ اللُّبِّ، ثُمَّ طَافَتْ حَوْلَ الإِجْلالِ، وَسَعَتْ بَيْنَ صَفَا الصَّفَا وَمَرْوَةِ الْمُرُوءَةِ، فَرَمَتْ جِمَارَ الْهَوَى بِأَحْجَارٍ، فَوَصَلَتْ إِلَى قُرْبِ الْحَبِيبِ فَلَوْ تَرَنَّمَتْ بِشَرْحِ حَالِهَا لَقَالَتْ:
(لا وَالَّذِي قَصَدَ الْحَجِيجُ لِبَيْتِهِ ... مِنْ بَيْنِ نَاءٍ طَارِقٍ وَقَرِيبِ)
(وَالْحِجْرِ وَالْحَجَرِ الْمُقَبَّلِ تَلْتَقِي ... فِيهِ الشِّفَاهُ وَرُكْنِهِ الْمَحْجُوبِ)
(لا كَانَ مَوْضِعُكَ الَّذِي مَلَّكْتَهُ ... مِنْ قَلْبِ عَبْدِكَ بَعْدَ ذَا لِحَبِيبِ)
(لِي أَنَّةُ الشَّاكي إِذَا بَعُدَ الْمَدَى ... مَا بَيْنَنَا وَتَنَفُّسُ الْمَكْرُوبِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute