للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالُ نِعْمَةٌ فَمَنْ أَنْفَقَ بَعْضَهُ فِي الْخَيْرِ أَقَامَ لِلْبَاقِي حَارِسًا، إِذَا سَمِعَتِ النِّعْمَةُ نَغَمَةَ الشُّكْرِ أَلَبَتْ وَلَبَّتْ......

بِالْمَزِيدِ، وَإِذَا لَمْ تَشْكُرْ وَقَدْ وَفَّرْتَ نَفَرَتْ وَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ، وَاعَجَبَاهْ مِمَّنْ فَرِحَ بِلَذَّةٍ يَعْلَمُ سُرْعَةَ زَاوَلِهَا، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ الْحِسَابَ عَلَيْهَا.

(أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ ... تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ زَوَالا)

أَيْنَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ وَالْقَزَّ، وَحَرَّكَ الْجَوَادَ تَحْتَهُ وَهَزَّ، وَتَعَاظَمَ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَعَزَّ، وَقَهَرَ وَغَلَبَ وَسَلَبَ وَبَزَّ، ذَبَحَهُ سَيْفُ الْمَنُونِ وَمَا قَطَعَ وَلا حَزَّ، فَتَسَلَّبَ الْحَبِيبُ بَعْدَ فِرَاقِهِ وَجَزَّ، وَأَكَلَهُ الدُّودُ وَقَدْ كَانَ يَسْتَزْرِي الإِوَزَّ، بَيْنَا هُوَ قَدْ رَكَضَ فِي أَغْرَاضِهِ وَكَرَّ خَرَّ فَقِيلَ: كَيْفَ بَاتَ؟ قِيلَ: مَرَّ. فَأَلْبَسَهُ الْغَاسِلُ ثَوْبًا لا كَفَّهُ وَلا زَرَّ، فَرَحَلَ عَنْ دَارِهِ الَّتِي بِهَا اغْتَرَّ، وَاسْتَعْمَلَ الْحَفَّارُ لِتَمْهِيدِ لَحْدِهِ الْمَرَّ، وَاسْتَلَبَهُ جَذْبًا عَنِيفًا وَجَرَّ، وَرَجَعَ أَهْلُهُ لا يَقْدِرُونَ لَهُ عَلَى نَفْعٍ وَلا ضُرٍّ، وَنَدِمَ حِينَ سَكَنَ الْبَرَّ إِذْ مَا اتَّقَى وَلا بَرَّ، وَطُولِبَ بِمَا أَعْلَنَ مِنْ عَمَلٍ وَأَسَرَّ، وَوَجَدَ اللَّهَ وَقَدْ أَحْصَى عَلَيْهِ الذَّرَّ، وَبَقِيَ مَكَانَهُ أَسِيرًا لا يَرَى إِلا الشَّرَّ.

(هَذِي مَنَازِلُهُمْ وَقَدْ رَحَلُوا ... وَعَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرَهَا نَزَلُوا)

(رَحَلُوا وَأَبْقَوْهَا لِغَيْرِهِمُ ... إِنَّ الْمَنَازِلَ وَالْغِنَى دُوَلُ)

(شَادُوا مَبَانِيهَا وَمَا سَكَنُوا ... إِلا نُزُولَ الضَّيْفِ وَانْتَقَلُوا)

(وَتَفَرَّقَتْ عَنْهُمْ أَقَارِبُهُمْ ... وَجُنُودُهُمْ وَخَلَوْا بِمَا عَمِلُوا)

(يَا آمِلَ الدُّنْيَا وَقَدْ عَصَفَتْ ... بِالنَّاسِ قَبْلَكَ خَانَكَ الأَمَلُ)

(أَتَرُومُ جَهْلا أَنْ تُقِيمَ بِهَا ... وَوَرَاءَكَ الأَيَّامُ وَالأَجَلُ) ......

يَا هَذَا إِذَا أَسْلَمَكَ الأَتْرَابُ، تَسَلَّمَكَ التُّرَابُ، كَيْفَ يَفْرَحُ بِحَيَاتِهِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَطِيَّةُ مَمَاتِهِ، يَا مَنْ هَجَمَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَادِيَةِ الْمُخَالَفَةِ، فَسَبَاهُ فَبَاعَهُ فَاشْتَرَاهُ الْهَوَى بِثَمَنٍ بَخْسٍ، تَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ فِي حِصْنِ التُّقَى مَا قَدَرَ عَلَيْكَ، إِلَى كَمْ يَسْتَخْدِمُكَ الْهَوَى وَأَنْتَ حُرٌّ طَالَ تَشَبُّهُكَ فِي التَّثَبُّطِ بِزُحَلَ فَانْهَضْ بِحَرَكَةِ عُطَارِدَ فِي الْهَرَبِ مما يؤذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>