كرواية سعيد ابن أبي مريم:«لا تَباغضوا ولا تَحاسدوا ولا تَدَابروا ولا تَنافسوا»، أَدرج ابن أبي مريم:«ولا تنافسوا» من متنٍ آخر، أو يسمع حديثًا من جماعةٍ مختلِفين في إسناده أو متنه، فيرويه عنهم على الاتِّفاق،
وقوله:(كَرِوَايَةِ سَعِيْد بن أَبِي مَرْيَم)؛ أي: عن مالك، عن الزهري، عن أنس أنَّ رسول الله ﷺ قال:«لَاْ تَبَاغَضُوْا … » إلى آخره، فأدرجَ ابن أبي مريم، قوله:«وَلَاْ تَنَافَسُوْا» من متنٍ آخر، وهو ما رواه مالك أيضًا، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ ﷺ ولفظه:«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فإن الظَّنَّ أَكْذَبُ الحديث، ولَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَاْ تَحَاسَدُوْا» وكلا الحديثين متفقٌ عليه من طريق مالك، وليس في الأول «ولا تنافسوا» فهي مدرجةٌ من ابن أبي مريم.
وهذا المثالُ صالح للنوع الذي ذكره الشارح والرابع الذي زدناه؛ إذ كل من الحديثين متنٌ له إسناد خاص روى أحدهما كاملًا مع بعض الآخر ابنُ أبي مريم وصَيَّرَهُمَا بإسنادٍ واحدٍ وَهَمًا كما جزم به الخطيب، ويَصدق على تلك الزيادة أنَّها متن كما يصدق على جميع الحديث الأول أنَّه متن كذلك كما أفاده في «شرح التقريب».
قلت: يؤخذُ منه أنهم اعتبروا في الإدراج أن يكون ذلك الكلام المُدرج ليسَ من كلام النبوة وإلَّا فالمُتبادر أن يكون هذا من الإدراج في المتن مع أنهم عَدُّوْهُ من إدراجِ السند؛ نظرًا إلى ما فعله الراوي من عنده في الإسناد لا لما زادَ من كلام النبوَّة بذكره الحديث الثاني كلًّا أو بعضًا عقب الأول الذي هذا السند سندٌ له خاصة، كان كأنَّه أدرج سند الثاني في سند الأول فيكون إدراجًا ضمنيًا كذا ظهر، فتأمل.
قوله:(فِيْ إِسْنَادِهِ)؛ أي: كحديث عبد الله بن مسعود: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قال: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا … » الحديثَ. فإنَّ الأعمش ومنصور بن المعتمر روياه عن شقيق، عن عمرو بن شُرحبيل، عن ابن مسعود، ورواه واصل الأسدي، عن شقيق، عن ابن مسعود وأسقط عَمْرًا فجاء الثوري، ورواه عن واصل ومنصور والأعمش، عن شقيق، عن عمرو، عن ابن مسعود، فأدرج رواية واصل في رواية منصور والأعمش؛ لأنَّ واصلًا لم يذكر فيه عَمْرًا بل يجعله عن شقيق، عن ابن مسعود.
قوله:(أَوْ مَتْنِهِ) لفظُ المتن مُستدرك هنا وكأنَّه أشار به إلى القسم الرابع الذي ذكرنا أنَّه تركه إن لم يكن اعتمد على دخوله في الأول كما أومأنا إليه؛ وهو أن يكون المتن عنده بإسنادٍ إلَّا طرفًا منه فبآخر إلى آخر ما سبق، وقد تقدَّم ما يصلح مثالًا له.
وقوله:(بِاتِّفَاقٍ)؛ أي: في المتن أو السند ولا يبينُ ما اختلف فيه.