وأقول: قد وقع التدليس أيضًا للمداراة والخوف كما رُوِيَ عن يونس بن عبيد قال: سألت الحسن البصري قلت: يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله ﷺ وإنك لم تدركه، فقال: يا ابن أخي سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى -وكان في زمن الحَجَّاج- كل شيء سمعتني أقوله قال رسول الله ﷺ فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليًا، والظاهر أن هذا لا حُرمة فيه وإن كان فيه كراهةٌ فخفيفة جدًا، سيَّما من مثل الحسن ممَّن لا يَروي إلَّا حسنًا ولا يفعل إلَّا حسنًا.
فائدتان:
الأولى: يثبتُ التدليس بمرةٍ واحدة كما جزمَ به الشافعي إذ قال: من عُرِفَ بالتدليسِ مرةً لا يقبل منه ما يُقبل من أهل النصيحة في الصدق حتَّى يقول: حدَّثني أو سمعت.
الثانية: استدلَّ على أنَّ التدليسَ غير حرامٍ بما أخرجه ابن عديٍّ عن البراء قال: لم يكن فينا فارسٌ يوم بدر إلَّا المقداد، قال ابن عساكر: قوله: (فينا)؛ يعني: المسلمين؛ لأنَّ البراء لم يشهد بدرًا أفاده في «شرح التقريب».
أقول: ويستدل له أيضًا بقول أبي بكر لمن سأله عن النَّبيِّ ﷺ في طريق هجرتهما إلى المدينة وهو راكب معه: (هَذَا رَجُلٌ يَهْدِيْنِي الطَّرِيْقَ)، ويُستأنس له بقول إبراهيم ﵇ في سارة: هذه أختي، وغير ذلك.
قوله:(وَالْمُدْرَجُ) من الإدراج وهو الإدخال، سُمِّيَ بذلك لما فيه من إدخال كلام آخر فيه، والإدراج قسمان؛ لأنَّه إمَّا أن يكون في السند أو في المتن، والمُدرج في المتن ثلاثة أنواع، والمُدرج في السند أربعة، فالجملة سبعة كما ستعرفه.
قوله:(كَلَاْمٌ يُذْكَرُ)؛ أي: يذكرُهُ الرَّاوي للحديث سواء كان صحابيًا أو غيره وسواء كان ذلك الكلام لنفسه أو غيره لأجل تفسيرِ غريبٍ في الحديث كخبر الزهري عن عائشة: «كَانَ ﷺ يَتَحَنَّثُ فِيْ غَارِ حِرَاءٍ -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد»، فقوله: وهو التعبد … إلى آخره، مدرجٌ؛ تفسيرٌ للتحنث، أو لاستنباط ما فهمه بعض رواته كما في حديث بُسرة الآتي فإنَّ عروة فهم منه أنَّ