فيكون بمعنى قولهم: قول الصَّحابيِّ: كنا نفعل كذا في عهد النَّبيِّ ﷺ في حكم المرفوع، أو لزومًا كقوله: صار كذا يوم استشهد حمزة أو في غزوة بدر ونحو ذلك، لكن لا يخفى أنَّه يغني عنه قوله أو تقريرًا؛ فلينظر.
قوله:(إِلَى مُتَوَاتِرٍ … ) إلى آخره، جملةُ ما سرده الشَّارح تسعة وثلاثون، وفاته كثير ممَّا هو مستعمل مشهور عند أهل الحديث، كالقويِّ والجيِّد والمعروف والمحفوظ والمجوَّد والثَّابت، كما فاته في صفات الرُّواة ما سنبديه إليك في كلٍّ إن شاء الله تعالى في مواضعه، وذكر النَّوويُّ في «التَّقريب» والسُّيوطيُّ في «شرحه» خمسة وستين وقال: ليس ذلك بآخر الممكن في ذلك؛ فإنَّه قابلٌ للتَّنويع إلى ما لا يحصى، إذ لا تُحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث وصفاتها.
وقال الحازميُّ في «كتاب العجالة»: علمُ الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مئةً كلُّ نوع منها علم مستقلٌّ، لو أنفق الطَّالب فيه عمره ما أدرك نهايته.
ثُمَّ المراد بالتَّقسيم في قوله:(قَسَّمُوا السُّنَن … ) إلى آخره، التَّنويع إلى الأنواع المذكورة، وإلَّا فأقسام الحديث لا تخرج عن ثلاثة كما قال الأكثرون: صحيح وحسن وضعيف؛ لأنَّها إنْ اشتملت من أوصاف القبول على أعلاها فالصَّحيح، أو على أدناها فالحسن، أو لم تشتمل على شيءٍ منها فالضَّعيف، بل منهم من لم يَزِد نوع الحسن وجعله مندرجًا في الصَّحيح، وحصر الأقسام في اثنين صحيح وضعيف.
قوله:(فَالْمُتَوَاتِر … ) إلى آخره، أقول: الظَّاهر أنَّه إنَّما بدأ به دون الصَّحيح كما فعله الأكثر؛ لأنَّه مقطوع بصحته في نفس الأمر، وأنَّ النَّبيَّ ﷺ قاله إجماعًا كما سيأتي، بخلاف الصَّحيح فإنَّه لا يلزم من كونه صحيحًا باعتبار سنده أن يكون صحيحًا في نفس الأمر كما سيأتي للشَّارح، ولعله ثَنَّى بالمشهور وذكره قبل الصَّحيح؛ لأنَّه قريبٌ منه في ذلك.
والمتواتر في اللُّغة: الشَّيءُ الآتي مرَّة بعد أخرى، من تواتر الرِّجال إذا جاؤوا واحدًا بعد واحد.