للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا بيان موضوعه، وتفرُّده بمجموعه، وتراجمه البديعة المثال، المنيعة المنال؛ فاعلم أنَّه رحمه الله تعالى قد التزم مع صحَّة الأحاديث استنباطَ الفوائد الفقهيَّة، والنُّكت الحكميَّة، فاستخرج بفهمه الثَّاقب من المتون معانيَ كثيرةً، فرَّقها في أبوابه بحسب المُناسَبة، واعتنى فيها بآيات الأحكام، وانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارات إلى تفسيرها السُّبل الوسيعة (١)، ومن ثمَّ أخلى كثيرًا من الأبواب عن ذكره إسناد الحديث (٢)، واقتصر فيه على قوله: فلانٌ عن النَّبيِّ ، ونحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسنادٍ، وقد يورده معلَّقًا؛ لقصد الاحتجاج لما ترجم له، وأشار للحديث؛ لكونه معلومًا أو سبق قريبًا، ويقع في كثيرٍ من أبوابه أحاديثُ كثيرةٌ، وفي بعضها حديثٌ واحدٌ، وفي بعضها آيةٌ من القرآن فقط، وبعضها لا شيءَ فيه ألبتَّة،

قوله: (المَنِيْعَةِ المَنَالِ) بفتح الميم وبالنون؛ أي: الممتنعة من أن ينالها غيره، قال في «مقدمة الفتح»: وإنَّما بلغتْ هذه الرتبةَ وفازت بهذه الحظوة لسببٍ عظيم أوجَب عظمها، وهو ما رواه أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام قال: شهدتُ عدةَ مشايخ يقولون: حوَّل البخاريُّ تراجم جامعه؛ -يعني: بَيَّضَهَا- بينَ قبرِ النَّبيِّ ومنبرهِ، وكان يصلي لكل ترجمةٍ ركعتين. انتهى. وسيأتي بذكر ذلك الشارح.

قوله: (وَمِنْ ثَمَّ أَخْلَى كَثِيْرًا … ) إلى آخره؛ أي: من كونِ غرضه مع ذكرِ الأحاديثِ الصحيحةِ الاستنباط منها والاستدلال لأمورٍ أرادها لا خصوصَ ذكر الأحاديث فقط.

قوله: (وَبَعْضُهَا لَاْ شَيءَ فِيْهِ) ادَّعى قومٌ أنَّه صنعَ ذلك عمدًا، وغرضه أن يبين أنَّه لم يثبتْ عنده


(١) في (م): «الواسعة».
(٢) في (ب) و (س): «ذكره إسنادًا لحديث».

<<  <   >  >>