والسَّابق واللَّاحق: وهو من اشترك في الرِّواية عنه راويان متقدِّمٌ ومتأخِّرٌ، تَبايَن وقت وفاتيهما تباينًا شديدًا، فحصل بينهما أمدٌ بعيدٌ، وإن كان المتأخِّر غير معدودٍ من معاصري الأوَّل ومن طبقته. ومن أمثلة ذلك: أنَّ البخاريَّ حدَّث عن تلميذه أبي العبَّاس السَّرَّاج
الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسن بن علي عن آبائه مرفوعًا بأربعين حديثًا منها:«الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ». انتهى.
ومن ألطف ما جاء بأقل من ذلك رواية الخطيب في «تاريخه» عن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أُكَيْنة -بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية ونون- قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي علي بن أبي طالب ﵁ يقول: أي: -وقد سُئِلَ عَنْ الحَنَّانِ المَنَّانِ- الحَنَّانُ الذِيْ يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ (١) بِالنّوَالِ قَبْلَ السُّؤالِ.
قال الخطيب: بين عبد الوهاب وبين علي ﵁ في هذا الإسناد تسعة آباء، آخرهم أُكَيْنَةَ بن عبد الله وهو السامعُ عليًا.
فائدة: يلتحقُ برواية الرجل عن أبيه عن جده، رواية المرأة عن أمها عن جدتها، وهو عزيز جدًا، ومن ذلك ما رواه أبو داود في «سننه» عن بُندار، عن أم جَنوب بنت نُميلة، عن أمها سُوَيْدَةَ بنت جابر، عن أمها عُقَيْلَة بنت أَسْمَرَ بن مُضَرِّسٍ، عن أبيها أسمر قال: أَتَيْتُ النَّبِي ﷺ فبايعته، فقال:«مَنْ سَبَقَ إلى ما لم يَسْبِقْ إليه مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ»، ذكره الجلال السيوطي.
قوله:(السَّابِقُ واللَّاحِقُ) من فوائده حلاوةُ علو الإسناد في القلوب كما قال الشارح، وأن لا يظن سقوط شيء من الإسناد.
قوله:(أَمَدٌ)؛ أي: زمنٌ بعيد.
قوله:(أَبِي العَبَّاسِ) هو محمد بن إسحاق، و (السَّرَّاج) بفتح السين المهملة وتشديد الراء آخره جيم، نسبة إلى عمل السُّروج، كان من أجداده من يعملها، كما في «اللباب».