من الذين تُكلِّم فيهم من رجال البخاريِّ، مع أنَّ البخاريَّ لم يكثر من إخراج حديثهم، بل غالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم، وميَّز جيِّدها من موهومها، بخلاف مسلمٍ، فإنَّ أكثر من تفرَّد بتخريج حديثه ممَّن تكلِّم فيه ممَّن تقدَّم عصره من التَّابعين ومن بعدهم، ولا ريب أنَّ المحدِّث أعرف بحديث شيوخه ممَّن تقدَّم عنهم. وأمَّا رجحانه من حيث عدم الشُّذوذ والإعلال فلأنَّ ما انتُقِد على البخاريِّ من الأحاديث أقلُّ عددًا ممَّا انتُقِد على مسلمٍ.
وأمَّا الجواب عمَّا انتُقِد عليه؛ فاعلم أنَّه لا يقدح في الشَّيخين كونهما أخرجا لمن طُعِنَ فيه؛ لأنَّ تخريج صاحب الصَّحيح لأيِّ راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده، وصحَّة ضبطه وعدم غفلته، لا سيَّما وقد انضاف
قوله:(بَلْ غَالِبُهُم … ) إلى آخره، لو أضربَ عن هذا الإضراب وقال:(وغالبهم … ) إلى آخره، لكانَ أظهرَ، كما فعل في «مقدمة الفتح» و «شرح التقريب».
والمعنى أنَّه مع كونه لم يكثرْ من تخريج أحاديث من تُكُلِّمَ فيه، فأكثرُ مَن خرَّج عنه منهم شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم فكان أدرى بهم من غيره، بخلاف مسلم فإنَّ أكثرَ مَن تفرَّدَ بالتخريج عنه ممَّن تُكُلِّم فيه ليس ممَّن اجتمع به، بل ممَّن تقدم عصره.
قوله:(مِنَ الأَحَادِيْثِ)؛ أي: التي خرَّجها، وفيها شذوذ وإعلال.
وقوله:(أَقَلُّ عَدَدًا … ) إلى آخره، وذلك أنَّ ما أخرجه الشيخان من ذلك نحو مئتي حديث وعشرة أحاديث، اختصَّ البخاريُّ منها بأقلَّ من ثمانين، ولا شكَّ أنَّ ما قلَّ الانتقاد فيه أرجحُ مما كَثُرَ.
قوله:(عَمَّا انْتُقِدَ عَلَيْهِ)؛ أي: عن الأحاديث التي انتقدها عليه نقادُ الحفاظِ كالدَّارَقُطْنِي وغيره، قال النووي في مقدمة «شرح مسلم»:
فصل: قد استدركَ جماعةٌ على البخاري ومسلم أحاديث أَخَلَّا فيها بشرطهما، ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد أَلَّفَ الدَّارَقُطْنِي في ذلك وأبو مسعود الدمشقي وأبو علي الغَسَّاني، وقد أجيبُ عن ذلك أو أكثره. انتهى.
وقال في «مقدمة الفتح»: قد استدركَ الدَّارَقُطْنِي على البخاري أحاديثَ طعنَ في بعضها، وذلك