أمَّا رجحانه من حيث الاتِّصال؛ فلاشتراطه أنْ يكون الرَّاوي قد ثبت له لقاء مَنْ روى عنه ولو مرَّةً، واكتفى مسلمٌ بمطلق المعاصرة، وألزم البخاريَّ بأنَّه يحتاج ألَّا يقبل المُعنعن أصلًا، وما ألزمه به فليس بلازمٍ؛ لأنَّ الراوي إذا ثبت له اللِّقاء مرَّةً لا يجري في روايته احتمال ألَّا يكون سمع؛ لأنَّه يلزم من جريانه أن يكون مدلِّسًا، والمسألة مفروضةٌ في غير المدلِّس، وأمَّا رجحانه من حيث العدالة والضَّبط فلأنَّ الرِّجال الذين تُكلِّم فيهم من رجال مسلمٍ أكثر عددًا
أسدَّ الرجل بالألف جاء بالسداد، وسَدَّ يَسد -من باب ضرب- سدودًا، أصاب في قوله وفعله، فهو سديد. انتهى.
قوله:(فَلِاشْتِرَاطِهِ)؛ أي: في الحديثِ المُعنعن، فلا يحكمُ للمُعَنْعَن بالاتصال إلَّا إذا ثبتَ اجتماع المُعَنْعِن والمُعَنْعَن عنه ولو مرةً، وهو وإنْ لم يصرحْ بذلكَ الشرط في الصحيح إلَّا أنَّه التزمه فيه وأظهره في «تاريخه» كما قاله ابن حجر، قال: وهذا ما يرجَّحُ به كتابه؛ لأنَّا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال؛ -أي: بمجرد المعاصرة- فلا يخفى أنَّ شرط البخاري أوضح في الاتصال. انتهى.
قوله:(بِمُطْلَقِ المُعَاصَرَةِ)؛ أي: فيُحكم للإسناد المُعنعن بالاتصال إذا تعاصرا وإن لم يثبت اجتماعهما إلَّا إن كانَ المعنعن مدلسًا.
قوله:(أَنْ لَاْ يَقْبَلَ المُعَنْعِنَ أَصْلًا)؛ أي: لأَنَّهُ في كلِّ حالٍ محتمل لأن لا يكونَ سمع منه فيكون مدلِّسًا؛ أي: مع أنَّه قَبِلَه وذَكَرَه في صحيحه.
قوله:(لَأَنَّهُ لَاْ يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِهِ)؛ أي: جريانِ احتمالِ عدم السماع.
وقوله:(أَنْ يَكُوْنَ) اسمُ يكون عائدٌ على الراوي و (مُدَلِّسًا) بالنصبِ خبرها؛ أي: أن يكون هذا الراوي مُدلسًا لهذا الحديث بأن يكونَ أسقطَ من سنده مَن سمع هو منه، وهذا خلافُ فرض المسألة إذ هي مفروضةٌ في غير المدلس، وإذا كان كذلك وهو عدلٌ محققُ اللقاءِ له ولم يعهدْ عليه التدليس لم يبقَ لاحتماله وجه.
قوله:(أَكْثَرُ عَدَدًا … ) إلى آخره، وذلك أنَّ الذي انفردَ البخاري بالإخراجِ لهم دون مسلم أربعمئة وبضع وثمانون رجلًا، المُتَكَلَّمُ فيه بالضعفِ منهم ثمانون رجلًا، والذي انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمئة وعشرون رجلًا، المُتكلمُ فيه بالضعف منهم مئة وستون رجلًا، ولا شكَّ أنَّ التخريج عَمَّنْ لم يتكلمْ فيه أصلًا أولى من التخريج عمَّن تُكُلم فيه، وإن لم يكن الكلام قادحًا.