وقول الصَّحابيِّ:«من السُّنّة كذا» أو «أُمِرْنا»؛ بضمِّ الهمزة، أو «كنَّا نُؤمَر» أو «نُهِينا» أو «أُبِيحَ» فحكمه الرَّفع أيضًا،
قوله:(وَقِيْلَ لَاْ يَكُوْنُ مَرْفُوْعًا)؛ أي: بل موقوفٌ، وهو قول الإسماعيلي، وهو بعيدٌ جدًا، والأول هو الصحيح الذي قطع به الجمهور من أهل الحديث والأصول، وفَصَّلَ بعضهم فقال: إنْ كان هذا الفعل ممَّا لا يخفى غالبًا كان مرفوعًا، وإلَّا كان موقوفًا.
قال في «شرح التقريب»: ومحل ذلك الخلاف ما لم يكن في القصة تصريحٌ باطِّلاعه ﷺ، وإلَّا فمرفوع إجماعًا، كقول ابن عمر:«كُنَّا نَقُوْلُ وَرَسْوْلُ الله ﷺ حَيٌّ: أَفْضَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُوْلُ الله ﷺ فَلَا يُنْكِرُهُ»، رواه الطبراني.
قوله:(مِنَ السُّنَّةِ كَذَا)؛ أي: كقول علي ﵁: «مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الكَفِّ عَلَى الكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» رواه أبو داود.
وقوله:(أَوْ نُهِيْنَا)؛ أي: كقولها: «نُهِيْنَا عن اتِّبَاعَ الجَّنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا»، أخرجه الشيخان أيضًا. فكلُّ ذلك حكمه الرفع على الصحيح؛ لأنَّهم إذا أطلقوا السنة فمرادهم سنة النبي ﷺ، ولا نظر لما قيل: يحتمل أن يكون المراد سنة غيره فإنَّه بعيد، والأصل الأول.
وأما قول بعضهم: إن كان مرفوعًا فلم لا يقولون فيه: قال رسول الله ﷺ، فمدفوعٌ بأنَّهم تركوا ذلك تورعًا واحتياطًا، وكذا يُقال في احتمال أن يكون الآمر في أمرنا غيره ﷺ كالقرآن، ثم مثل قوله:(من السنة كذا) قوله: سنة أبي القاسم، أو سنة نبينا ﷺ، أو أصبت السُنَّة، وقيل: كلُّ ذلك موقوف لما سبقَ مما علمت رَدَّهُ، ومحلُّ الخلاف إذا لم يصرِّح الصحابي بالآمر في نحو: أُمِرْنَا فإنْ صرَّح كقوله: «أَمَرَنَا رسول الله ﷺ» فلا خلاف في رفعه، إلَّا ما حُكي عن أبي داود وبعض المتكلمين أنَّه لا يكون حجة حتى ينقل لفظه، وهو ضعيف، بل باطلٌ؛ فإنَّ الصحابي عَدْل عارف باللسان فلا يطلق ذلك إلَّا بعد التحقيق، وخصَّ بعضهم الخلاف أيضًا بغير الصديق، أما هو فإنْ قال ذلك فمرفوع بلا خلاف، كما ذكره الحافظ السيوطي، قال: وكذا ما كان عن أبي هريرة، قال ابن سيرين: كلُّ شيءٍ حدثتُ عن أبي هريرة فهو مرفوع. انتهى. أقول: الظاهر أنَّ هذا خاص بما جاء من طريق ابن سيرين بقرينة إسناد ذلك لنفسه.