للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل يُسمَّى أثرًا؟ نعم؛ ومنه قول الصّحابيِّ: «كنا نفعل» ما لم يُضفه إلى النَّبيِّ ، فإن أضافه إليه نحو قول جابرٍ: «كنَّا نعزل على عهد رسول الله » فمن قَبِيلِ المرفوع، وإن كان لفظه موقوفًا؛ لأنَّ غرضَ الرَّاوي بيانُ الشَّرع

قوله: (نَعَم)؛ أي: عند فقهاء خراسان، فيسمُّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر لما سبق، وفي «شرح النخبة»: يُقال للموقوف والمقطوع: الأثر، قال النووي: وعند المحدثين كل هذا يُسمى أثرًا؛ لأنَّه مأخوذ من أَثَرْتُ الحديثَ؛ أي: رويته. قوله: (وَمِنْهُ قوْلُ الصَّحَابِيِّ … ) إلى آخره؛ أي: سواءٌ قاله في حياته أو بعدها.

وقوله: (كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا)؛ أي: أو نقول، أو نرى كذا.

وقوله: (ما لم يضفه إلى النَّبيِّ ؛ أي: إلى زمنه، كأنْ يقول: كنا نفعل كذا في زمن النَّبيِّ ، وما ذهب إليه الشارح مِن أنَّ ما لم يُضف له من الموقوف، هو ما حكاه النووي في «شرح مسلم» عن الجمهور من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وأطلق الحاكم والرازي والآمدي أنَّه مرفوع، وقال ابن الصبَّاغ: إنَّه الظاهر، ومثَّله بقول عائشة «كَانَتْ اليَدُ لَا تُقْطَعُ فِيْ شَيءٍ مِنَ التَّافِهِ»، وحكاه النووي في «شرح المهذب» أيضًا عن كثير من الفقهاء، ثم قال: وهو قوي من حيث المعنى. وصحَّحه العراقي وشيخ الإسلام.

قوله: (لِأَنَّ غَرَضَ الرَّاوِي … ) إلى آخره؛ أي: ولأنَّ ظاهرَ ذلك مُشْعِرٌ بأنَّ رسول الله اطلع على ذلك وأَقَرَّهُم عليه؛ لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن أمور دينهم، وتقريرهُ أحد وجوه السنن المرفوعة.

قوله: (بَيَانُ الشَّرْعِ)؛ أي: لا اللغة ولا العادة، والشرعُ يُتلقى من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فمراد جابر بقوله: (كنا نعزل … ) إلى آخره، أنَّ العزل جائز شرعًا لفعلهم إياه في زمنه مع إقراره إياهم عليه، وإقْرَارُه حكمٌ شرعيٌّ، وكذا قول الصحابي: أُمِرْنَا بكذا، إذ لا يصحُّ أن يُريد بقوله: (أُمرنا)؛ أي: أمرنا الكتابُ؛ لكون ما في الكتاب مشهورًا يعرفه الناس، ولا الإجماع؛ لأنَّ المتكلم بذلك من أهل الإجماع ويستحيل أمره نفسه، ولا القياس؛ إذ لا أمر فيه، فتعيَّن كون المراد أَمْرُ الرسول ؛ ولأنَّ مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى مَن له الأمر والنهي، ويجب اتباع أمره، وذلك هو الرسول .

<<  <   >  >>