للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنَّاسخ والمنسوخ: ويُعرَف النَّسخ بتنصيص الشَّارع عليه؛ كحديث بُرَيدة: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»، أو بجزم الصَّحابيِّ بالتَّأخُّر، كقول جابرٍ في «السُّنن» «كان آخِرَ الأمرين من النَّبيِّ تَرْكُ الوضوء ممَّا مسَّت النَّار»

قلت: لو سمعتُ ذلك من أمثال هذا لقلت لابن الصلاح يقول لهم: ﴿لا أجد ما أحملكم عليه﴾ [التوبة: ٩٢].

قوله: (وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوْخُ)؛ أي: ناسخُ الحديثِ ومنسوخُهُ، قال الإمام النووي: وكانَ للشافعي فيه يدٌ طُولى وسابقةٌ أُوْلَى، فقد نُقِلَ عن الإمام أحمد أنَّه قال لأحمد (١) بن وارة، وقد قدم من مصر: كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال: فَرَّطتَ، ما علمنا المُجمل من المُفسر ولا ناسخَ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي. انتهى.

قوله: (ويُعْرَفُ … ) إلى آخره، ذكر ما يُعْرف به وترك ما يُعرَّف به، وهو: رفع الشارع حُكمًا منه متقدمًا بحكمٍ منه متأخر.

والمرادُ برفع الحُكم: قطعُ تعلُّقِهِ عن المُكلفين، واحترزَ به عن المُجمل، وبإضافته للشارع عن أخبار بعض من شاهد النَّسْخَ من الصحابة، فإنَّه لا يكون ناسخًا على ما ذهب إليه بعضهم وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلَّا بإخباره، وبالحكم عن رفع الإباحة الأصلية فإنَّه لا يسمى نسخًا، وبـ (المُتقدم) عن التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه.

وبقولنا: (بحكم منه متأخر) عن رفع الحكم بموت المُكلف، أو زوالِ تكليفه بجنون ونحوه، وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله : «إِنَّكُم مُلَاْقُوْا العَدُوِّ غَدًا، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوْا»، فالصومُ بعد ذلك اليومِ ليسَ نسخًا.

قوله: (كَحَدِيْثِ بُرَيْدَةَ)؛ أي: وكحديث: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا ما بَدَا لَكُمْ … » الحديث.

قوله: (فِيْ السُّنَنِ)؛ أي: سُنن أبي داود والنسائي.

وقوله: (كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ) بنصبِ (آخرَ) خبر كان مقدَّمًا و (تركُ) بالرفع اسمها مؤخر، ومُقتضى


(١) في الأصول: لأحمد، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>