للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو حركاتها أو سكناتها؛ كحديث جابرٍ: «رُمِيَ أُبيٌّ يوم الأحزاب على أكحله». صحَّفه غُنْدَر، فقال: «أَبِي» بالإضافة، وإنَّما هو: أُبيُّ بن كعبٍ، وأبو جابرٍ استُشهِد قبل ذلك في أُحُد.

«شيئًا» بالمعجمة والتحتية، وحديث: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» صحَّفَهُ بعضهم فقال: «زرعنا تردد حنا»، جعل: زرعنا: مبتدأ اسم من الزراعة، وجملةُ تردد … إلى آخره، خبره، وفسَّرَهُ بأن قومًا كانوا لا يؤدون زكاة زروعهم فصارت كلها حناء.

ومثال التصحيف في المتن معنىً فقط: قول محمد بن المثنى أحد شيوخ الأئمة الستة: نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزَة صلى إلينا رسول الله ، يُريد «أَنَّ النَّبِيَ صلى إِلَى عَنَزَةَ» فتوهَّمَ أنَّه صلى إلى قبيلتهم، وإنَّما العَنَزَةُ هنا الحَرْبَةُ تُنصب بين يديه (١).

ومثاله فيه معنىً وسمعًا: ما ذكره الشارح وكذا ما ذكره الحاكم عن أعرابي أنَّه زعمَ أنَّه صلى إلى شاةٍ. صَحَّفَ (عَنَزَةَ) مُحَرَّكَةَ بِـ (عَنْزَةٍ) ساكنةً، ثم رواهُ بالمعنى على وَجههِ فأخطأ من وجهين.

ومن قبيح تصحيف المعنى أنَّ بعضهم سمعَ حَدِيْثُ النَّهْيِّ عَنْ التَّحْلِيْقِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاْةِ فقال: مَا حلقتُ رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة، فَهِمَ منهُ تحليقَ الرأس، وإنَّما المراد تحليقُ الناسِ حِلقًا. انتهى. ملخصًا.

قوله: (أَوْ حَرَكَاتِهَا … ) إلى آخره، هذا ما يقتضيه إطلاقهم، فالمُصحَّف شامل لذلك كلِّهِ، وخصَّهُ شيخ الإسلام بما تغيرَ فيه النَّقْطُ فقط كشيئًا وستًا، وسمى ما تغير فيه الشكل مُحرفًا كَعَنَزَةَ محركًا وساكنًا.

قال ابن الصلاح: وكثيرٌ من التصحيف المنقولِ عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذارٌ لم ينقلها ناقلوه.

فائدة: أورد الدَّارقطني في كتاب «التصحيف» كل تصحيفٍ وقع للعلماء حتى في القرآن، من ذلك ما رواه عثمان ابن أبي شيبة قرأ على أصحابه في التفسير: جعلَ السفينةَ في رحلِ أخيه، فقيل له: إنَّما هو ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ﴾ [يوسف: ٧٠] فقال: أنا وأخي وأبو بكر لا نقرأُ لعاصمٍ، قال: وقرأ عليهم في التفسير: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: ١]، قالها: أ ل م؛ يعني: كأول البقرة.


(١) قالها مزاحًا، كما نبَّه إلى ذلك الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٢/ ١٢٣) وإلا فيبعد عن علم قدَّمه الدارقطني (ناقل الخبر) على بندار أن يغيب عنه ذلك.

<<  <   >  >>