للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البُلقينيُّ حيث أنكر هذه الرِّواية، واحتجَّ بقوله: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

والمُدَبَّج -بالموحدة والجيم-: رواية القرينين المتقاربين في السِّنِّ

قوله: (﴿وَلَاْ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩])، فيه: أنَّ له أن يعذب مَن لم يكلفه بعبادته في الدنيا؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ ملكه، فلو عذَّبهم لكان غير ظالم لهم، قال البُلقيني: وحَمْلُه على أحجار تُلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يُعذب بغير ذنب. انتهى.

قال في «الفتح»: ويُمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح لكن لا يُعذبون كما في الجزية، ويُحتمل أن يُراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، فعَبَّرَ عن ابتداءِ الإدخال بالإنشاء فهو إنشاء إدخال لا إنشاءٌ بمعنى ابتداء خلق بدليل قوله: «فَيُلْقَوْنَ فيها: ﴿وَتَقُوُلُ هل من مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]»، وفي «الكواكب»: الإنشاء للِجَنَّة لا ينافي الإنشاء للنار والله يفعل ما يشاء، فلا حاجة إلى الحمل على الوهم، ثم حاصلُ الجواب منه تعالى أنَّه لا فضل لأحدكما على الأخرى من طريق مَن يسكنهما.

قوله: (وَالمُدَبَّجُ بالمُوَحَّدَةِ)؛ أي: المفتوحة المُشَدَّدة بعد الميم المضمومة والمُهملة المفتوحة، وأوَّلُ من سماهُ بذلك الدَّارقُطني كما قاله العراقي، قيل: سُمي بذلك لحُسنه؛ لأنَّ المدبج لغةً المُزَيَّن، والرواية كذلك لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة أو النزول، فيحصل للإسناد بذلك تزيين، وقيل لنزول الإسناد فيكون ذَمًّا من قولهم: رجل مُدبَّج قبيح الوجه، والذي جزم به في «شرح النخبة» أنَّه مأخوذٌ من ديباجتي الوجه، وهما الخَدَّان لتساويهما وتقابلهما.

قلت: وهذا هو الظاهر على ما ذهب إليه الجمهور، وجرى عليه الشارح من أنَّه رواية القرينين … إلى آخره، أما على ما جرى عليه الدَّارقطني من أنَّهُ لا يتقيدُ بالقرينين بل كلُّ اثنين روى كل منهما عن الآخر، فيُحتمل أنَّه من قبيل الأول وهو الظاهر، أو الثاني؛ لأنَّ العدول عن العُلو قبحٌ ما.

قوله: (رِوَايَةُ القَرِيْنَيْنِ)؛ أي: مرويُّ المتقارنين من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم أو أتباع أتباعهم وهكذا.

<<  <   >  >>