للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روى الفَِرَبْريُّ عن البخاريِّ أنَّه قال: ما أدخلت في الصَّحيح حديثًا إلَّا بعد أن استخرتُ الله تعالى وتثبَّتُّ (١) صحَّته، وقال مكِّيُّ بن عبدان: كان مسلمٌ يقول: عرضتُ كتابي على أبي زُرعة، فكلُّ ما أشار إليَّ أنَّ له علَّةً تركته.

فإذا عُلِمَ هذا، وتقرَّرَ أنَّهما لا يخرِّجان من الحديث إلَّا ما لا علَّة له، أو له علَّةٌ إلَّا أنَّها غير مؤثِّرةٍ، وعلى تقدير توجيه كلام من انتقد عليهما، يكون كلامه معارضًا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة.

وأمَّا من حيث التَّفصيل؛ فالأحاديث التي انتُقِدت عليهما تنقسم إلى ستَّة أقسامٍ:

من النقاد، وسياقُ ما حضر من الجواب عنه، وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أنَّ هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يَقدح في أصل موضوع الكتاب، فإنَّ جميعها واردٌ من جهة أخرى وهي ما ادعاه الإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيره من الإجماع على تلقي هذا الكتاب بالقبول والتسليم لصحة جميع ما فيه، فإنَّ هذه المواضع متنازعٌ في صحتها فلم يحصل لها مِن التلقي ما حصل لمُعظم الكتاب. انتهى.

فها أنت ترى العبارة في منزعٍ آخر، وهو أنَّ الجواب عن هذه الأحاديث وإن كان مُسَلَّمًا من حيثيةٍ فهو غير مُسَلَّمٍ من أخرى، وترى قوله فيها: (فَإِنَّ جَمِيْعَهَا … ) إلى آخره، عِلَّةً لقوله: (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا) وجوابُ الشَّرط قوله: (فَإِنَّ هَذِهِ المَوَاضِعَ … ) إلى آخره، فتأملْ.

قوله: (الفرَبْرِيُّ) بفاء مكسورة أو مفتوحة على ما في «القاري على الشفاء»، فراء مفتوحة فموحدة ساكنة فراء مكسورة، تلميذُ المُصَنِّفِ.

قوله: (إِلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ)؛ أي: عندهما، وقد كان الذُّهْلِي يقولُ: أعلم أهل عصره بعلل الحديث الزهري (٢)، وقد استفادَ منه ذلك الشيخان جميعًا.

قوله: (وَعَلَى تَقْدِيْرِ … ) إلى آخره، عبارة «الفتح»: فإذا عُرِف وتقرر أنَّهما لا يُخرجان من الحديث إلَّا ما لا علةَ له، أو له علة إلَّا أنها غيرُ مؤثرةٍ عندهما، فبتقدير توجيه كلام (مَنْ انْتَقَدَ عَلَيْهِمَا يَكُوْنُ مُعَارَضًا … ) إلى آخره.


(١) في (ص): «وثبتت».
(٢) هكذا ساق العبارة، وصوابها: وقد كان الذهلي أعل أهل عصره بعلل حديث الزهري. انتهى.

<<  <   >  >>