للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمُنكَر: الذي لا يُعرَف متنه من غير جهة راويه، فلا متابع له ولا شاهد، قاله البَرْديجيُّ، والصَّواب: التَّفصيل الذي ذكره ابن الصَّلاح في الشَّاذِّ، فمثال ما انفرد به ثقةٌ يُحمَل تفرُّده:

قوله: (الذِي لَا يُعْرَفُ … ) إلى آخره؛ أي: إنَّ الحديث المُنكر هو الذي انفرد بروايته راوٍ من الرواة بحيث لا يُعرف من غير روايته لا من الوجهِ الذي رواه ولا من غيره، قلت: ظاهر إطلاقه أنَّ رواية المذكور أعمُّ من أن يكون ثقةً أم لا، ضدَّ ما تقدمَ عن الخليلي، فيكون المنكر حينئذ أعمَّ من الشاذ، وهو قولٌ أشار إليه في حواشي «شرح البيقونية».

وقيل: إنَّهما بمعنى واحد، وهو ما يُفهم من كلام ابن الصلاح الذي أوردهُ الشارح هنا وهناك، وقيل: إنهما متباينان، فالشاذ رواية ثقة والمنكر رواية ضعيف، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام قال: وقد غَفل من سوَّى بينهما، وإلى نحو ذلك ذهب ابن حجر حيث قال ما حاصله: إنَّه إن خُولف الراوي المقبول بأرجح منه لمزيدِ ضبطٍ أو عددٍ أو غير ذلك من الصفات المُرجحة، فالراجح يُقال له: المحفوظ، والمرجوح يقال له: الشاذ، وإن وقعت المخالفة مع الضعف فالراجحُ يقال له: المعروف، ومقابله: المنكر، فالنسبة بين الشاذ والمنكر التباين الكلي، لا التساوي ولا التباين الجزئي؛ أي: عموم وخصوص مطلق أو وجهي، إذْ لا يَصدُق الشاذ على شيءٍ من أفراد المنكر، كما أن المنكر لا يصدق على شيء من أفراد الشاذ؛ لأنَّه ما خالفَ فيه الثقة مَن هو أحفظ منه أو تفرَّدَ به قليلُ الضبط كما مرَّ، والمُنكر ما خالف فيه المستور أو تفرد به الضعيف الذي لا ينجبر بالمتابعة. انتهى.

وبما ذكر تَعرف تفسيرَ المحفوظ والمعروف وهما ممَّا أهمله الشارح.

قوله: (قال البَرْدِيْجِي) كذا في نسختنا بدون ضمير، والصواب: (قاله البرديجي) كما في بعض النسخ الضَّمير لما تَقدَّم من تعريف المنكر؛ فهو للحافظ البَرديجي، وأما حكاية التفصيل عن ابن الصلاح فمن قِبَلِ الشارح، والبَرْدِيْجِي بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الدال المهملة بعدها تحتية وجيم، نسبة إلى بَرْدِيج، قرية بأذربيجان، ويقال: البردعي أيضًا، نسبة إلى بردعة، بإهمال الدال، قرية قرب برديج.

قوله: (التَّفْصِيْلُ الذِيْ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيْ الشَّاذِّ) هو أنَّه إن كان الثقة بتفرُّدِهِ مُخالفًا أحفظَ منه وأضبطَ كان ما انفرد به شاذًا مردودًا، وإن لم يخالفْ؛ فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا به كان تفرده صحيحًا، وإن لم يوثق بحفظه، ولكن لم يبعد عن درجة الضابط، كان ما انفرد به حسنًا، وإن بَعُدَ كان شاذًا مُنكرًا مردودًا، قال السيوطي: وهذا التفصيل مبني على ترادف الشاذ والمنكر، وقد علمت أن الراجح خلافه. انتهى.

<<  <   >  >>