والثلاثة المشهور، وهذا على ما ذهب إليه ابن منده إذ قال: إذا انفرد عن الزهري وشبهه من الأئمة ممَّن يسمع حديثه رجل بحديثٍ يُسمى غريبًا، وإن انفردَ عنهم اثنان أو ثلاثة يُسمى عزيزًا وإن رواه عنهم جماعة يُسمى مشهورًا. انتهى.
وهو مردودٌ، فالأولى بل الصواب إسقاط قوله:(أو ثلاثة) والمعوَّلُ عليهِ ما في «النخبة» من تخصيص الثلاثة فما فوقها بالمشهور، والاثنين بالعزيز، فالغريب ما رواه عن الإمام واحد فقط، والعزيز ما رواه عنه اثنان فقط، والمشهور ما رواه عنه ثلاثة فأكثر، ثُمَّ مَا رواهُ الواحدُ كذلك غريب ولو رواه بعد ذلك مئة عن هذا الواحد.
وكذا يُقال في العزيز غايتهُ أن يُحْدَثَ للحديث اسمٌ آخر باعتبار الرواة قلة وكثرة بعد ذلك؛ فقد يكون الحديث الواحد غريبًا عزيزًا مشهورًا، بأن يرويه عن الإمام أولًا واحد، ثم يرويه عن هذا الواحد الواحد اثنان، ثم يرويه عنهما ثلاثة فأكثر فيُسمى بالأسماء الثلاثة بهذه الاعتبارات الثلاثة، والإمام يصدق به ﷺ اصطلاحًا.
تنبيه: ليس العزيز من حيثُ تعددُ رواته شرطًا للصحيحِ، بلْ يكون الغريب المروي من طريق واحد صحيحًا خلافًا للجبائي المعتزلي وللقاضي ابن عربي في شرح البخاري؛ فإنَّه صَرَّحَ أنَّه شرطٌ للبخاري.
قال ابن رُشَيد -بالتصغير- كان يكفي القاضي في بطلان دعواه أول حديث مذكور في صحيح البخاري؛ -يعني:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» - فإنَّه تفردَ به عن عمر بن الخطاب علقمة.
تكلُّفُ القاضي الجواب عن هذا بأن عمر بن الخطاب قد خطبَ به على المنبر بحضرةِ الصحابة، ولولا أنهم يعرفونه بسماعهم له من غير عمر لأنكروه مردودٌ بأنَّه عندهم ثقةٌ، لو حدَّثهم بما لم يسمعوه قط لم ينكروه عليه، والحاصلُ أنَّ الحديث الصحيح لا يُشترط فيه تعدد الرواة بخلاف العزيز.
قوله:(وَالْمُعَلَّل) قال في «شرح التقريب»: هذا النوع من أجلِّ أنواعِ علومِ الحديثِ وأَشْرَفِهَا وأدقها، وإنَّما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب.
قال ابن مهدي: لأنْ أعرفَ علَّة حديث واحدٍ أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثًا ليست عندي. انتهى.