قوله:(وَالْمَشْهُوْرِ … ) إلى آخره، سُمِّي بذلك؛ لشهرته ووضوحه، وسمَّاهُ جماعة من الفقهاء: المستفيض؛ لانتشاره من فاضَ الماءُ يفيض فيضًا، ومنهم من فَرَّقَ بينهما بأنَّ المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعمُّ من ذلك، ومنهم من عكس، وقد يراد به ما اشتهر على الألسنة وهذا يُطلق على ما له إسنادٌ واحد فصاعدًا، بل على ما لا يوجد له إسناد أصلًا.
وينقسم المشهور إلى صحيح بالمعنى الشَّامل للحسن كحديث «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ»، وحديث «ذِي اليَدَين في السَّهو»، وضعيفٍ كحديث:«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ على كل مُسْلِمٍ»، وحديث:«إِحْيَاءُ أَبَوي النَّبيِّ ﷺ حتى آمَنَا بِهِ» -فهو ضعيفٌ على الصَّواب لا موضوعٌ خلافًا لقوم، ولا صحيح خلافًا لآخرين- وموضوعٌ كما روي عن أحمد ابن حنبل أنَّه قال: أربعة أحاديث تدور في الأسواق عن رسول الله ﷺ ليس لها أصل: «مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوْجِ آذار بَشَّرْتُهُ بِالجَنَّةِ» و «مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» و «يَوْمَ صَوْمِكُم يَوْمَ نَحْرِكُم» و «لِلْسَّائِلِ حَقٌ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ».
وينقسم من وجه آخر إلى مشهور عند أهل الحديث، ومشهور شهرة مطلقة؛ أي: عندهم وعند غيرهم، ومشهور عند العامَّة.
فالمشهور عند أهل الحديث خاصَّة كحديث أنس:«أَنَّ رسول اللَّهِ ﷺ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو على رِعْلٍ وَذَكْوَانَ»، أخرجه الشَّيخان من رواية سليمان التَّيميِّ عن أبي مجلز عن أنس، ورواه عن أنس غير أبي مجلز، وعن أبي مجلز غير سليمان، وعن سليمان جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم؛ لأنَّ الغالب على رواية التَّيميِّ عن أنس كونها بلا واسطة.
والمشهور عندهم وعند غيرهم من العلماء والعامَّة «الْمُسْلِمُ من سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
والمشهور بين العامَّة فقط:«مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»، أخرجه مسلم، «مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» صحَّحه ابن حبَّان والحاكم، «مَنْ بُوْرِكَ لَهُ فِي شَيءٍ فَلْيَلْزَمْهُ»، «أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُوْلِهِم» وهما ضعيفان، «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»«كُنْتُ كَنْزًا لَا أُعْرَفُ» وهما باطلان لا أصل لهما.
قوله:(هُوَ أَوَّلُ أَقْسَامِ الآحَادِ) المرادُ بها ما يُقابل المتواتر، وإن رواه اثنان أو ثلاثة، وظاهر عبارته هذه أنَّ جميع أفراد المشهور أُحاديَّة وليس شاملًا للمتواتر، وتعريفه الآتي يقتضي شموله له وهو الواقع، فلعلَّ مراده بما هنا أنَّه أوَّل الأقسام الَّتي يتحقَّق فيها الآحاد وذلك لا ينافي أنَّه يتحقَّق فيها غيرها.