للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[خ¦١٠٦]، فنقل النَّوويُّ أنَّه جاء عن مئتين من الصَّحابة .

قوله: (أَنَّه جَاءَ عَنْ مَئتَيْن مِنَ الصَّحَابَةِ)؛ أي: وبحسب العادة إذا ورد الحديث عن مثل هذا العدد من الصَّحابة ينقله عنهم كثيرون وهكذا إلى انتهائه، إذ لا يخفى أنَّه إذا جاء من الطَّبقة الأولى الَّتي يتوهَّم فيها التَّفرُّد عن هذا العدد برمَّته فلأن يجيء عن مثله أو أكثر فيما عداها من الطَّبقات من باب أولى، فلا يُقال مقتضاه أنَّ كثرة العدد إنَّما هي في الطَّبقة الأولى خاصَّةً فيُنافي ما أسلَفه من اشتراط ذلك العدد من ابتدائه إلى انتهائه، ثمَّ كون هذا الحديث جاء عن مئتين من الصَّحابة، قال العراقيُّ: ليس في هذا المتن بعينه ولكنه في مطلق الكذب، والخاصُّ بهذا المتن رواية بضعة وسبعين صحابيًّا، منهم العشرة المشهود لهم بالجنَّة. انتهى.

وقد قسم العلماء المتواتر إلى لفظيٍّ وهو ما اتَّفق رواته المذكورون في لفظه ولو حكمًا وفي معناه، ومعنويٍّ وهو ما اختلفوا في لفظه ومعناه مع رجوعه لمعنىً كليٍّ كما إذا نقل رجل عن حاتم مثلًا أنَّه أعطى جملًا وآخر أنَّه أعطى فرسًا وآخر أنَّه أعطى دينارًا وهلمَّ جرًّا، فيتواتر القدر المشترك بين أخبارهم وهو الإعطاء؛ لأنَّ وجوده مشترك بين جميع هذه القضايا.

فمثال ما تواتر لفظه ومعناه في الحديث: ما ذكره الشَّارح من حديث «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا … » إلى آخره، ومثله حديث: «رَفْعُ اليَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ»، إذ رواه نحو خمسين صحابيًّا بلفظ واحد، وحديث «نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي» إذ رواه نحو ثلاثين صحابيًا، كذلك وحديث «مَنْ بَنَى لله مَسْجِدًا»، وحديث «بَشِّر المَشَّائِيْنَ إِلَى المَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّوْرِ التَّامِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وغير ذلك.

وهو كثيرٌ خلافًا لابن الصلاح إذ قال: المتواتر من الحديث قليلٌ لا يكاد يوجد في رواياتهم، ومثال ما تواتر معناه كحديث رفع اليدين في الدعاء، إذ روي فيه مئة حديث في قضايا مختلفة كلُّ قضيَّة منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها وهو الرَّفع عند الدُّعاء تواتر باعتبار المجموع.

(تنبيه) توهَّمَ بعضُ أفاضل العصر من قولهم في تعريف المتواتر: جمعٌ يؤمن تواطؤهم على الكذب أنَّه لا يكون إلَّا صحيحًا، وليس كذلك في الاصطلاح بل منهُ ما يكون صحيحًا اصطلاحًا بأن يرويه عدول عن مثلهم وهكذا من ابتدائه إلى انتهائه، ومنه ما يكون ضعيفًا كما إذا كان في بعض طبقاته غير عدلٍ ضابط فهذا ليس بصحيح اصطلاحًا، وإن كان صحيحًا بمعنى أنَّه مطابق للواقع باعتبار أمن تواطئ نقلته على الكذب وعبارة «التقريب» فيه صريحة فيما ذكرناه إذ جعله قسمًا من المشهور وقسمه إلى صحيح وغيره؛ أي: حسن وضعيف؛ فَتَبَصَّرْ.

<<  <   >  >>