للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كحديث: «مَنْ كذب عليَّ متعمِّدًا … »

كذبهم بالحلف مع ما ينضمُّ لذلك من عداوتهم للدِّين وأهله الموجبة لعدم أَمْنِ تَواطُئِهِم على الكذب بما ينابذه أو ينافيه وتقييد حصر القبول فيما رواه عَدْل بالآحاد لا التَّواتر بعيد جدًا، بل الظَّاهر أنَّ التَّعميم بما ذكر في المتواتر اصطلاح للأصوليِّين، وأنَّ اصطلاح المحدِّثين فيه غير ذلك بل هو: ما يرويه عددٌ يؤمن تواطؤهم على الكذب من المسلمين، فيُقبل من غير بحث عن رجاله حينئذ عدالة وفسقًا، على أنَّه لم يوجد حديث نبويٌّ تواتر بكفَّارٍ قطُّ حتَّى يكون للمحدِّثين نظرٌ إليه، وربما يُؤيِّد ما قُلناه أنَّ صاحب «جمع الجوامع» قال بعد أن ذكر في المتواتر ما سبق من قبوله من الكفَّار ما نصُّه: ولا تقبل رواية كافر، قال شارحه المحلِّي: وإن عُرِفَ بالصِّدق لعلوِّ منصب الرِّواية عن الكفَّار. انتهى. فهذا التَّعليل يأبى إلَّا التَّعميم في الآحاد وغيرها، وحينئذ فيكون اصطلاح المحدِّثين في المتواتر غير اصطلاح الأصوليِّين إذ كلامهم في الحديث المتواتر، وكلام الأصوليِّين في الخبر المتواتر من النَّاس غير السُّنَّة الشَّريفة، فتصطلح الاصطلاحات على أنَّ عبارة «جمع الجوامع» نصُّها الأصحُّ أنَّه لا يشترط فيه الإسلام. انتهى.

وهي تفيد أنَّ في ذلك خلافًا وأنَّ القول باشتراط الإسلام في ذلك الخبر الأعمِّ قول صحيح لا ضعيف؛ فليتأمَّل وليحرَّر.

ثمَّ رأيت بعد ذلك ما يؤيد ذلك في «شرح التقريب» للسُّيوطيِّ ونصُّه: ومنه أي من المشهور المتواتر المعروف في الفقه وأصوله، ولا يذكره المحدِّثون باسمه الخاصِّ المُشعر بمعناه الخاصِّ، وإن وقع في كلام الخطيب ففي كلامه ما يُشعر بأنَّه اتَّبع فيه غير أهل الحديث، قاله ابن الصلاح. انتهى.

بل ذلك نصٌّ في أنَّ أهل الحديث ليس لهم نظرٌ إليه بالذَّات وأنَّ الكلام فيه خاصٌّ بأهل الفقه والأصول.

هذا وقد اختُلِف في العلم الحاصل بالتَّواتر، فالجمهور أنَّه ضروريٌّ، وليس مرادهم أنَّه يعلم بغير دليل بل المعنى كما في «ياسين على لقطة العجلان» أنَّه يلزم التَّصديق به ضرورة إذا وُجدت شروطه، كما يلزم التَّصديق بالنَّتيجة الحاصلة عن المقدِّمات ضرورة وإن لم تكن في نفسها ضروريَّة، وقال الكعبيُّ والإمامان (١): نظريٌّ؛ أي: يتوقَّف على مقدِّمات حاصلة لا بمعنى أنَّه يحتاج إلى النَّظر عقبه، وقيل: بالوقف، وهذا بالنَّظر إلى العلم بتلك الألفاظ وكونها من كلام من أسند إليه، وكذا العلم بثبوت مدلوله في الواقع، فالجمهور: أنَّه ضروريٌّ كذلك، وقيل نظريٌّ وأطال في ردِّه في «شرح النُّخبة» وعلى كلٍّ فهو يفيد العلم بخلاف الآحاد فإنَّه يفيد الظَّنَّ.


(١) الإمامان هما إمام الحرمين، والإمام الرَّازيُّ، انظر حاشية العطَّار على جمع الجوامع.

<<  <   >  >>