للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإسناد، أحدهما عن الآخر، كرواية كلٍّ من أبي هريرة وعائشة عن الآخر، وكرواية التَّابعيِّ عن تابعيٍّ مثله؛ كالزُّهريِّ وعمر بن عبد العزيز، وكذا مَنْ دونهما.

قوله: (وَالإِسْنَادِ)؛ أي: الأخذُ عن الشيوخ، والجمعُ في المساواة بين السنِّ والسند أغلبي، وقد يُكتفى بالتساوي في السند وإن تفاوتوا في السنِّ، ولا فرقَ بينَ أن تكون الرواية عن القرين بواسطة أو بدونها.

مثالها بدون واسطة في الصحابة: رواية عائشة عن أبي هريرة وبالعكس، وفي التابعين: رواية الزهري عن ابن الزبير وبالعكس، وفي أتباع التابعين رواية مالك عن الأوْزَاعِي وبالعكس، وفي أتباع أتباعهم رواية أحمد ابن حنبل، عن علي بن المَديني وبالعكس، ومثالها بها: أن يروي الليث عن يزيد بن الهاد، عن مالك، ويروي مالك عن يزيد عن الليث.

تنبيه: قد تكون رواية الأقران من غير تدبيجٍ وهي انفرادُ أحدِ القرينين بالرواية عن الآخر، كرواية الأعمش عن التيمي، فالمُدَبَّج أخصُّ من الأقران، فكلُّ مُدبج أقران ولا عكس، وخرج بالقرين ما إذا روى عَمَّنْ دونَهُ سنًا أو رُتبةً فذلك روايةُ أكابر عن أصاغر، كرواية الآباء عن الأبناء، كرواية الزهري عن مالك، والدليل عليها رواية النبي عن تميم الدَّاري خبر الجسَّاسة -وهي دابة كثيرة الشعر لا يُعلم قُبُلها من دُبُرها- وذلك: «أَنَّ تَمِيْمًا كَانَ سَافَرَ إِلَى الغَرْبِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَطَلَعُوْا عَلَى جَزِيْرَةٍ هُنَاكَ، فَرَأَوْا هَذِهِ الدَّابَةَ فَفَزِعُوْا مِنْهَا، فَقَالَتْ: لَاْ تَفْزَعُوْا أَنَا الجَّسَّاسَةُ أَتَجَسَّسُ الأَخْبَارَ لِلمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وقيل: هِيَ الَّتِي تَخْرُجُ وَتَسِمُ النَّاسَ فِيْ وُجُوْهِهِم، وَكَانَ تَمِيْمٌ إِذْ ذَاكَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا رَجَعَ أَسَلَمَ ، وأخبر النَّبيَّ بِذَلِكَ، فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ وَخَطَبَ لَهُمْ خَبَرَ تَمِيْمٍ عَنْ الْجَسَّاسَةِ».

قلت: هذا مُشعرٌ بأنَّ الدجال موجودٌ حيٌّ من وقتها، ولعله يعرف بقرينة من أحوال العالم وقت خروجِه، وقيضَ له الله هذه الدابة تُخبرهُ عما تجده، حتى إذا رأت هذه الأحوال وأخبرته بها عَلِمَ أنَّه آن أوانه فيظهرُ، وإلَّا فأيُّ فائدة لتسخيرِ هذه الدابة وتَعَرُّفِه منها الأخبارَ، ويؤيدهُ ظنُّ الصحابة في ابنِ صَيَّادٍ أنَّه الدجال حتى همَّ بعضهم بقتله، فقال له النَّبيُّ : «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ … » الحديث، وإن كانَ يحتمل أنَّ هذه الدابة أوجدها الله تعالى قبله بمدةٍ لحكمةٍ يعلمها.

ومن ذلك رواية الصحابة عن التابعين كرواية العباس عن ابنه الفضل، ووائل عن ابنه بكر، وكرواية العبادلة وأبي هريرة وأنس عن كعب الأحبار، والعبادلة أربعة: عبد الله بن عباس، وعبد الله

<<  <   >  >>