للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو بالتَّاريخ، فإن لم يُعرَف؛ فإن أمكن ترجيح أحدهما بوجهٍ

كلام الشارح أنَّ الصَّحابي إذا لم يُخبِر بالتَّأخر بل قال: هذا ناسخ لكذا لم يثبت به النسخ، وهو اصطلاح أهل الأصول لا أهل الحديث، قالوا: لجواز أن يقوله عن اجتهاد.

قال العراقي: وإطلاق أهل الحديث أوضحُ وأشهر؛ لأنَّ النَّسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي إنَّما يُصار إليه عند معرفة التاريخ، والصحابة أورعُ من أنْ يحكم أحد منهم على حكمٍ شرعيٍّ بنسخٍ من غيرِ أن يعرفَ تأخرَ الناسخِ عنه، وقد أطلق الشافعي ذلك أيضًا. انتهى.

قوله: (أَوْ بِالتَّارِيْخِ)؛ أي: كحديثِ شَدَّادِ بنُ أوس مرفوعًا: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رواه أبو داود والنسائي، ذكر الشافعي: أنَّه منسوخٌ بحديث ابن عباس «أنَّ النَّبيَّ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ»، أخرجه مسلم، فإنَّ ابن عباس إنَّما صَحِبه مُحْرمًا في حجة الوداع سنة عشر، وفي بعض طرق حديث شدَّاد أنَّ ذلك كان زمن الفتح سنة ثمان، ومما يعرف به النسخ أيضًا دلالة الإجماع كحديث: قَتْلُ شارِبِ الْخَمْرِ فِيْ الرَّابِعَةِ، وهو ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِيْ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ».

قال النووي في «شرح مسلم»: دلَّ الإجماع على نسخهِ وإن كان ابن حزم خالفَ في ذلك، فخلافُ الظاهرية لا يقدحُ في الإجماع، نعم ورد نَسخُه في السُّنَّةِ أيضًا كما روي عن جابر أن النَّبيَّ قال: «إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ شَرِبَ فِيْ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ»، قال: ثمَّ أُتِيَ النَّبيُّ برجلٍ قد شربَ في الرابعة فضربهُ ولم يقتله، قال: فرُفع القتلُ وكانت رخصةً، ثمَّ الحديثُ لا يحكم عليه بالنسخ بالإجماع على تركِ العمل به إلَّا إذا عُرف صحته، وإلَّا فيحتمل أنَّه غلطٌ كما صرَّح به الصَّيْرفي، والإجماع لا يَنسخ ولا يُنسخ، ولكن يدلُّ على وجودِ ناسخٍ غيره. انتهى «شرح التقريب» مختصرًا.

قوله: (فإِنْ (١) لَمْ يُعْرَفْ)؛ أي: التَّاريخ (فَإِنْ أَمْكَنَ … ) إلى آخره، إنَّما يُصَارُ إلى ذلك إذا لم يمكن الجمعُ بينهما بوجهٍ صحيحٍ، وإلَّا تعيَّنَ الجمعُ ولا يصار إلى النسخ، ويجب العمل بهما كحديث: «إَذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِل الْخَبَثَ (٢)»، وحديث: «خَلَقَ اللهُ الْمَاءَ طَهُوْرًا لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا ما غَيَّرَ لَوْنَهُ أو طَعْمَهُ أو رِيحَهُ»، فإن الأوَّلَ ظاهرهُ طهارةُ القُلتين تغيرَ أم لا، والثاني ظاهرهُ طهارة غيرِ المتغير سواءٌ كان قُلتين أم لا فخُصَّ عُمومُ كلٍّ مِنْهُمَا بالآخر، وكحديث: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ» مع


(١) في المطبوع: س «بأن».
(٢) في المطبوع: حدث.

<<  <   >  >>