للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصفه بما لم يشتهر به تعميةً؛ كي لا يُعرَف، وهو جائزٌ؛ لقصد تيقُّظ الطَّالب واختبارِه؛ ليبحث عن الرُّواة.

قوله: (بِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ)؛ أي: من كُنية أو لقب أو نسبة إلى قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك، كقول أبي بكر بن مجاهد المقري: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله -يريد به عبد الله بن أبي داود السِّجستاني- قال ابن الصلاح: وفيه تضييع للمروي عنه، قال العراقي: وللمروي أيضًا؛ لأنَّه قد لا يفطن له فيحكم عليه بالجهالة.

وكراهةُ هذا القسم أخفُّ مما قبله ويختلف الحال في كراهته باختلاف الغرض الحامل عليه؛ فإن كان لضعفِ المروي عنه فيُدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء حَرُمَ.

واختلفوا في قبول المدلِّس وعدمه وأن التدليس جرحٌ أو لا، فالأصحُّ أنَّه ليس بجرحٍ مطلقًا فيُقبل، وقيل: جرحٌ وإن كان يعتقد هو أنَّه ثقةٌ لجواز أن يَعرِفَ غيرُه من جَرْحِهُ ما لا يعرفه هو، وقيل: إن فعله لضعفه عنده فجرحٌ، أو لاختلافهم في قبول روايته فلا، وإن كان لصغر سنه عن المدلَّس أو كبره عنه يسيرًا أو كثيرًا وتأخر موته حتى شاركه في الأخذ عنه من هو دونه فالأمر سَهْلٌ، وكذا إن كان لغرض إيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن الشيخ الواحد في موضعٍ بصفة وفي آخر بأخرى يُوهم أنَّه غيره.

ومن التدليس ما هو عكس هذا وهو إعطاء شخص اسم آخر تشبيهًا ذكره ابن السبكي في «جمع الجوامع» قال: كقولنا: أخبرنا [أبو] (١) عبد الله الحافظ؛ -يعني: الذهبي- تشبيهًا بالبيهقي حيث يقول ذلك يعني به الحاكم، وكذا إيهام اللُّقي والرحلة: كحدثنا مَن وراء النهر، يُوهم أنَّه جيحون ويريد نهر بغداد أو نهر الجيزة بمصر، وليس ذلك بجرحٍ قطعًا؛ لأنَّ ذلك من المعاريض، قاله الآمدي وابن دقيق العيد، وما عدا ذلك من أنواع التدليس فمكروهٌ وذَمَّ التدليسَ بأنواعه أكثرُ العلماء حتى بالغ شُعبة في ذمِّه فقال: التدليس أخو الكذب، ولأَنْ أزني أحبُّ إلي من أن أُدلِّس.

قال ابن الصلاح: وهذا منه محمول على المبالغة في الزجر عنه. انتهى.

(قلت): ولا مانع من أن يكون أراد أن ضررَ الزنا قاصرٌ على نفسه، والتدليس يتعدى ضرره للأمة؛ لما فيه من الغش وإيهام الحق باطلًا وعكسه، وربما ترتب على ذلك رفض سُنة وترويج بدعةٍ.


(١) زيادة لا بدَّ منها فالذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو عبد الله.

<<  <   >  >>