من التسلسل، وهو التتابع، فهو عبارةٌ عن تتابع رواية الحديث أو رِجَالِهِ على حالةٍ واحدةٍ ووصفٍ واحدٍ، وتتابع الرواة على وصفٍ أعمُّ مِن أن يكون قوليًّا فقط أو فعليًّا فقط أو هما معًا؛ فأصناف هذا النوع ثلاثة:
مثال الأول: الحديث المسلسل بقوله ﷺ لمعاذ ﵁: «يا مُعَاذُ إنِّي أُحِبُّكَ، فَقُلْ في دُبُرِ كل صَلَاةٍ: اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» فإنَّهُ مسلسلٌ بقولِ كُلٍّ من الرواة لمن يرويه عنه: وأَنَا أُحِبُّكَ فقل … إلى آخره.
ومثال الثاني: في الحديث المُسلسل بالمصافحة، وقد أسلفناهُ لكَ بروايتنا إيَّاهُ عن شيخنا المهدي الفاسي، ومثالهما معًا الحديث المسلسل بِقَبْضِ الْلِّحْيَةِ وَقَوْلِ «آمَنْتُ بِالْقَدَرِ … » إلى آخره، وهو قوله ﷺ لأنس ﵁:«لَاْ يَجِدُ الْعَبْدُ حَلَاْوَةَ الْإِيْمَانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ» فإنَّهُ ﷺ بعد أن قَالَهُ لأنس قبضَ على لحيته الشريفة وقال: «آمَنْتُ بِالْقَدَرِ … » إلى آخره، وكذلك أنس يفعل هكذا بعد روايته للغير، ومن روى عنه كذلك، وهَلُمَّ جَرًّا.
ومن المسلسل بالصفة الفعلية المُسلسل بالقُرَّاءِ والحُفاظ والفقهاء والمحدثين وحدَّثني قائمًا أو متبسمًا، أو نحو ذلك.
قوله:(أَوْ الْرِوَايَة)؛ أي: أو وردَ بحالٍ واحدٍ في الرواية بأنْ تواردت فيه الرواية على وصفٍ واحد وذلك الوصف إما صيغة من صيغ الأداء أو أمر متعلق بزمنِ الرواية أو مكانها أو تاريخها، فأصنافُ هذا النوع أربعة:
مثال الأول: أن يروي جميع الرواة الحديث بصيغة: أنبأني أو حدَّثني أو نحو ذلك من طرق الرواية، فلمَّا اتَّحد ما وقعَ للرواةِ من السَّماع ونحوه صار الحديث مسلسلًا باعتبار هذا الاتحاد فكلُّ راوٍ يرويه بصيغةٍ ترجعُ إلى صفة التحمل.
ومثال الثاني: المسلسل بقصِّ الأظفار يوم الخميس، وهو أنَّه ﷺ قال:« … وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ يَوْمَ الْخَمِيْسِ، وَالْغُسْلُ وَالْطِّيْبُ وَاللِّبَاسُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ»، فقصُّ الأظفارِ وما بعده وإن كان وصفًا فعليًّا للراوي إلَّا أنَّه لما أضيف إلى زمن الرِّواية عُدَّ من الأوصاف المتعلقة بها فيجب على كل راوٍ أن يُضيفه إلى زمانها.
ومثال الثالث: الحديثُ المسلسلُ بإجابةِ الدُّعاءِ في المُلتَزَم، فإجابة الدعاء وإن كانت وصفًا له