للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كحديث نفي البسملة، حيث زال الاضطراب عنه بحمل نفي القراءة على نفي السَّماع، ونفي السَّماع على نفي الجهر، كما قُرِّرَ في موضعه من المطوَّلات، ثمَّ إنَّ الاضطراب سواءٌ كان في السَّند أو في المتن

ضعفٌ، أو يمكن الجمع بينهما كما في الحديث الذي أشار له الشارح وتقدَّم في المعلول، وكما قيل في حديث فاطمة بنت قيس قالت: سئل النَّبيُّ عن الزكاة فقال: «إِنَّ فِي المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» رواه الترمذي هكذا من رواية شَريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة، ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ «لَيْسَ فِيْ الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» قال: فهذا اضطرابٌ لا يحتملُ التأويلَ، ورُدَّ بأنَّ شيخ شَريك ضعيف فهو مردودٌ من قبل ضعف راويه، وأيضًا فيمكن تأويله بأنَّها رَوت كلًّا من اللفظين عنه وأنَّ المراد بالحق المثبت المُستحب، وبالمنفي الواجب.

قيل: والمثال الصحيح ما وقع من حديث الواهبة نفسها له من الاختلاف في اللفظة الواقعة منه ، ففي رواية: «زَوَّجْتُكَهَا»، وأخرى: «زَوَّجْنَاكَهَا»، وأُخرى: «أَمْكَنَّاكَهَا»، وأخرى «مَلَّكْتُكَهَا»، فهذهِ ألفاظٌ لا يُمكن الاحتجاج بواحد منها حتى لو احتج حنفي مثلًا على أنَّ التمليك من ألفاظ النكاح لم يسغْ لهُ ذلك. انتهى.

وَرَدَّهُ الجلالُ بأنَّ الحديثَ صحيحٌ ثابتٌ، وتأويل هذه الألفاظ سهل فإنَّها راجعة إلى معنى واحد بخلاف الحديث السابق. انتهى.

قلتُ: لعلَّ المعنى الواحد هو إباحة النكاح، ويمكن تأويل (ملَّكْتُكَهَا) بمعنى (ملَّكْتُكَ بضْعَها)؛ أي: الانتفاع به، ويظهر أنَّ ذلك غيرُ ظاهرٍ؛ إذ النظر إلى اللفظ الذي وقع منه وتقع به تلك الإباحة، ولا شكَّ أنَّه مضطرب إذ يبعدُ أن تكونَ جميعُ هذه الألفاظ وقعت منه حالَ النِّكاح، ولم يردْ أنَّ الواقعة تعددتْ فتعين أن يكون الصادر منه أحد هذه الألفاظ، وإذا عَوَّلنا على أحدها بما هو بلفظ التمليك دلَّ على أنَّه بهِ صحيحٌ أو بما هو بغيره كان ما هو به غير صحيحٍ، وهذا هو الاضطرابُ.

قوله: (كَحَدِيْثِ نَفْيِّ البَسْمَلَةِ)؛ أي: المرويِّ عن أنس السابق إذ قال فيه: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ وأبي بَكْرٍ وَعُمَرُ فَكَانُوْا يَسْتَفْتِحُونَ بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] لَاْ يَذْكُرُونَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]» فإنَّه اخْتُلِفَ في مَتنه اختلافًا كثيرًا، فمنهم من قال: «فَكَانُوْا لَا يَقْرؤُوْنَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ … ﴾ إلى آخره»، ومنهم من قال: «فَكَانُوْا لَاْ يَجْهَرُوْنَ بِهَا»، ومنهم من قال: «فَكَانُوْا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ ﴿الْحَمْدِ للهِ﴾»، ومنهم من قال: «فَكَانُوْا يَقْرؤُوْنَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ﴾» وهذا اضطرابٌ بَيِّنٌ.

<<  <   >  >>