للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيجمع بما ينفي التَّضادّ؛ كحديث: «لا عدوى ولا طِيَرَة» مع حديث: «فِرَّ من المجذوم» وقد جُمِعَ بينهما بأنَّ هذه الأمراض لا تُعدِي بطبعها، ولكن جعل الله تعالى مخالطة المريض للصَّحيح سببًا لإعدائه، وقد يتخلَّف.

قوله: (فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا)؛ أي: إن أمكن الجمعُ بينهما بوجهٍ صحيح ولا يصارُ إلى التعارض، ويجبُ العمل بهما، فإن لم يمكن؛ فإن علمنا أحدهما ناسخًا بطريقٍ مما سبق قدَّمناه، وإلَّا رجحنا أحدهما بوجهٍ مما سبق.

قوله: (وَلَاْ طِيَرَة) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تُسكن، مصدر تطيَّر بالشيء إذا تشاءم به، قال تعالى: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨] يقال: تَطَيَّرَ طِيْرَةً، كتَحَيَّرَ حِيْرَةً.

قوله: (بِأَنَّ هَذِهِ الأَمْرَاضَ … ) إلى آخره، هذا ما اختاره ابن الصلاح، واختار شيخ الإسلام أن نفي العدوى باقٍ على عمومه، والأمر بالفِرار من باب سد الذرائع؛ لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى، فيظن أنَّ ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحَّةَ العدوى فيقع في الحرج، فأمرَ بتجنبه حسمًا للمادة، وقال الباقِلاني: إثباتُ العدوى في الجُذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله: «لا عدوى»؛ أي: إلَّا من الجذام ونحوه، فكأنَّه قال: لا يُعدي شيءٌ شيئًا إلَّا ما تقدم تبييني له أنَّه يُعدي، وقيل: الأمرُ بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ لأنَّه إذا رأى الصحيح تعظمُ مُصيبته وتزدادُ حسرَتُهُ، ويُؤيده حديث: «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلى الْمَجْذُومِينَ» فإنَّهُ محمول على هذا المعنى.

<<  <   >  >>