ولا يُقبَل مَنْ به بدعةُ كفرٍ، أو يدعو إلى بدعةٍ، وإلَّا قُبِلَ؛ لاحتجاج البخاريِّ وغيره بكثيرٍ من المبتدعين غير الدُّعاة،
الباقلاني، وعلَّله بأنَّ الجهل باسمه لا يخلُّ بالعلم بعدالته، ومَثَّلَهُ بحديثِ ثُمَامَة:«سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن النَّبِيذِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ خَادِمُ رَسُوْلِ الله ﷺ -لَجَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ- فَسَلْهَا … » الحديث. انتهى.
قوله:(وَلَاْ يُقْبَلُ مَنْ بِهِ بِدْعَةُ كُفْرٍ)؛ أي: لا يحتجُّ بحديثه، وهو كما في «شرح المهذب» المُجَسِّم، ومن يُنكر العلمَ بالجزئيات، قيل: وقائل خلق (١) القرآن كما نصَّ عليه الشافعي واختاره البُلقيني، وظاهرُ إطلاق الشارح أنَّ كلَّ كافرٍ ببدعةٍ يُرَدُّ، قال شيخ الإسلام: والتحقيقُ أنَّهُ لا يردُّ كُلُّ مُكَفَّر ببدعته؛ لأنَّ كلَّ طائفة تدَّعِي أن مُخالفتها مُبتدِعة، وقد تُبالغ فتُكَفِّرُ، فلو أُخِذَ ذلكَ على الإطلاق لاستلزمَ تكفيرَ جميعِ الطَّوَائف، قال: والمعتمدُ أن الذي تُرَدُّ روايته مَن أنكر أمرًا متواترًا من الشرع، معلومًا من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه، أمَّا من لم يكن كذلك وكان ضابطًا لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله.
قوله:(أَوْ يَدْعُو إِلَى بِدْعَةٍ)؛ أي: أو لم تكن بدعته بدعة كفرٍ لكنه يدعو إلى بدعته فلا يحتجُّ به أيضًا؛ لأنَّ تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه.
قوله:(وَإِلَّا)؛ أي: بأنْ لم تكن بدعته بدعة كفر ولم يدعُ إلى بدعته.
وقوله:(قُبِلَ)؛ أي: على الراجح الذي عليهِ أكثرُ العلماء، وقيل: غيرُ الكافر ببدعته لا يحتج به مطلقًا أيضًا؛ لأنَّه فاسق ببدعته وإن كان متأوِّلًا كما يستوي الكافر المتأول وغيره.
وقيل: يحتجُّ به إن لم يكن ممَّن ينتحل الكذب في نُصرة مذهبه أو لأهلِ مذهبه سواءٌ كان داعيةً أم لا، وحُكِيَ هذا القولُ عن الشافعي؛ لأنَّه قال: أقبل شهادة أهل الأهواء إلَّا الخطَّابية؛ لأنَّهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
وقيَّد جماعة قبوله بما إذا لم يرو ما يقوي بدعته، وبه جزم شيخ الإسلام في «النخبة».
والصحيح أنَّه لا تُقبل رواية الروافض وسابِّ السلف كما ذكره النووي في «الروضة»؛ لأنَّ سُباب المسلم فسوق، والصحابة والسلف أولى، وقد صرَّحَ بذلك الذهبي في «الميزان» فقال: البدعةُ على ضربين: صغرى كالتشيُّع بلا غلوٍّ، أو بغلوٍّ كَمَّنْ تكلمَ في حقِّ مَنْ حاربَ عليًّا، فهذا كثير في التابعين