وينبغي أن يُعرَف من اختلط من الثِّقات في آخر عمره لفساد عقله وخرفه؛ ليتميَّز من سمع منه قبل ذلك، فيُقبَل حديثه، أو بعده فيُرَدُّ، ومن رُوِيَ عنه منهم في الصَّحيحين (١)
الشافعية وهو مذهب الإمام أحمد، وصادمه النووي وقال: إنه مخالف لقواعد المذاهب، فردَّه الجلال في «شرح التقريب» وقال: ليس بمخالف، والحق ما قاله الإمام أحمد؛ لأنَّ الظاهرَ تَكَرُّرُ ذلك منه حتى ظهر لنا، ولم يتعين لنا ذلك فيما روى من حديثه فوجب إسقاط الكل. انتهى.
قوله: (وينبغي أن يُعرَف من اختلط)؛ أي: اختلَّ ضبطُهُ، قال النَّووي: وهذا مهمٌّ لا يُعْرَف فيه تصنيفٌ مفردٌ، وهو حقيقٌ به. انتهى.
وقد صنَّفَ فيه الحافظ العلائي وغيره.
قوله: (وخُرْقِهِ) قال في «القاموس»: الخُرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق، وأن لا يُحسن الرجل العمل والتصرف في الأمور والحُمق، ثم قال: خَرِقَ كفرح وكرم. انتهى.
وربما اختلطَ لذهاب بصره أو تلف كتبه، والاعتماد على حفظه.
قوله: (أو بعده)؛ أي: أو شكَّ فيه، ويُعرف ما ذكر باعتبار الرواة عنهم، فمنهم عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره فاحتجوا برواية الأكابر عنه كالثوري وشعبة وابن عيينة، رُوي عنه أنَّه قال: سمعت من عطاء قديمًا، ثمَّ قَدِم علينا قَدمةً فسمعته يُحدث ببعضِ ما كنت سمعتُ فخلط فيه فاتقيته واعتزلته، وسَمِعَ منه قبل الاختلاط أيضًا: هشام الدَّسْتوَائي ويحيى بن سعيد وحماد بن زيد، وجميع مَن سمع منه غير أولئك فبعدَ الاختلاط.
ومنهم: أبو إسحاق السَّبِيْعِي، وممَّن سمعَ منه بعد الاختلاط سُفيان بن عُيينة، ولذا لم يخرج له الشيخان من روايته عنه شيئًا، وقَبْلَهُ جرير بن حازم وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش.
ومنهم: ابن أبي عَرُوْبَة، وممَّن سمع منه قبل الاختلاط يزيد بن هارون وعَبْدَة بن سليمان وعبد الله ابن المبارك، وأخرج له الشيخان عن: روح بن عبادة، وعبد الأعلى، ويزيد بن زُريع، وغيرهم، وبعد الاختلاط: المُعافى بن عِمران، ووكيع، والفضل بن دُكين.
ومنهم: سُفيان بن عُيينة اختلط قبل موته بسنتين، قال الذهبي: ويغلبُ على ظني أنَّ سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل ذلك. انتهى.
وممن سمعَ منه في التَّغَيُّرِ: محمد بن عاصم.
(١) في (د) و (ص) و (م): «الصحيح».