وفي عَدِّ الشارح هذه مرتبة رابعة نظرٌ، بل هي خامسة، وقبلها مرتبة هي الرابعة حقيقة كما في «شرح التقريب» وغيره وهي قولهم: (رُدَّ حديثه) أو (رَدُّوا حديثه) أو (مردودُ الحديث) أو (ضعيفٌ جدًّا) أو (طرحوا حديثه) أو (مطروح الحديث) أو (ارم به) أو (ليس بشيء) أو (لا يساوي شيئًا)، ومنها ما ذكره الشارح من قولهم:(واهٍ) و (واهٍ بمرةٍ)، وما عَدَّهُ في أول هذه المرتبة؛ أعني: ما جعلها رابعة من قوله: (متروك الحديث) ليس منها، بل هو من مرتبة أنزل منها وهي الخامسة.
ومن ألفاظها؛ -أي: تلك الخامسة- قولهم:(متروك) و (تركوه) و (ذاهب) أو (ذاهب الحديث) و (ساقط) و (هالك) و (فيه نظرٌ) و (سكتوا عنه) و (لا يعتبر به) و (لا يعتبر بحديثه) و (ليس بالثقة) و (غير ثقة) و (ليس بمأمون) و (مُتهم بالكذب أو بالوضع).
وقول الشارح أيضًا:(كذَّاب) و (وضَّاع) مرتبة سادسة لا من الرابعة، ومن ألفاظها أيضًا:(مثله يكذب) فجملة المراتب ستُّ مراتبٍ على الوجه الذي سُقناه كما يؤخذ من «شرح التقريب» والملخص، ففيما ذكره الشارح من ترتيبها وسرد كلماتها نظر.
قوله:(وَهَؤُلَاْءِ … لَاْ يُكْتَبُ عَنْهُم)؛ أي: ولا يُعتبر بهم ولا يُستشهد، وظاهرُ صنيع الشارح أنَّ اسم الإشارة راجعٌ لما عدا المرتبة الأولى، وليس كذلك، بل للمرتبة الرابعة على ما فيها مما وضحَ لك من أنَّه رَكَّبَ هذه المرتبة من ثلاث مراتبٍ فلا تغترَّ به.
تنبيه: ما ذُكِرَ من المراتبِ صريحٌ في أنَّ العَدَالة تتجزأُ لكنه باعتبار الضبط.
قال الجلال السيوطي: وهل تتجزأ باعتبار الدِّين؟ وجهان في الفقه، ونظيره الخلاف في تجزُّؤِ الاجتهاد وهو الأصح فيه، وقياسُهُ يتجزأُ الحفظُ في الحديث فيكون حافظًا في نوعٍ دونَ نوع من الحديث، وفيه نظر. انتهى.
قلت: لعلَّ وجه النظر أنَّ الحفظ بمعنى الضبط وعدم التساهل يكون سَجِيَّةً لا تتخلف، فلا يتفاوت في نوعٍ من المسموع دون آخر، ولك أن تقول بل يتفاوت في الأنواع بسبب الالتفات والاعتناء ببعضها لحاجته إليه دون بعض؛ كأن يجعل همته في أحاديث الأحكام مثلًا أزيد منها في أحاديث الترغيب والترهيب، فيتفاوت حينئذٍ ضبطه وحفظه.