الاقتصار في ضبط «البخاريِّ» على روايةٍ واحدةٍ، لا كما يفعله من ينسخ «البخاريَّ» من نسخة الحافظ شرف الدِّين اليونينيِّ؛ لما يقع في ذلك من الخلط الفاحش بسبب عدم التَّمييز، ويتأكَّد ضبط الملتبس من الأسماء؛ لأنَّه نقلٌ محضٌ لا مدخل للأفهام فيه؛ كَبُريد -بضمِّ الموحَّدة- فإنَّه يشتبه بيزيد بالتَّحتيِّة، فضبط ذلك أَوْلى؛ لأنَّه ليس قبله ولا بعده شيءٌ يدلُّ عليه، ولا مدخل للقياس فيه، وليُقابِل ما يكتبه بأصل شيخه،
قوله:(عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ أي: بأن يضبطَ ألفاظه على ما رواه اليونيني فقط، أو الإسماعيلي فقط، أو الكشميهني فقط، أو غيرهم ممن أخذ عن البخاري، وما ذكرهُ الشارح من أنَّ بعضَ مشايخه رأى ذلك مأخوذ من كلام ابن الصلاح والنووي إذ قال: ينبغي أن يعتني بضبط مختلف الروايات وتمييزها، فيجعل كتابه على رواية واحدة، ثم ما كان في غيرها من زياداتٍ ألحقها في الحاشية، أو نقصٍ علَّمَ عليه، أو خلاف كَتَبَهُ مُعيِّنًا في كل ذلك مَن راويه بتمامِ اسمه لا رامزًا له بحرفٍ أو حرفين من اسمه.
قوله:(وَيَتَأَكَّدُ ضَبْطُ المُلْتَبِسِ … ) إلى آخره، ذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال: لما حدَّثني شُعبة بحديث أبي الحَوراء عن الحسن بن علي كتبت تحته ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] لئلا أغلطَ فأقرأهُ أبو الجوزاء بالجيم والزاي. انتهى.
قوله:(وَلْيُقَابِلْ مَا يَكْتُبُهُ … ) إلى آخره؛ أي: وجوبًا كما قاله القاضي عياض، وإن أجازهُ الشيخ، روى ابن عبد البر وغيره عن يحيى بن أبي كثير والأوزاعي قالا: ومن كتبَ ولم يعرضْ كان كمن دخل الخلاء ولم يستنجِ.
وقال عُروة بن الزبير لابنه هشام: كتبتَ؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب.
وفي المسألة حديث ذكره السّمْعاني في «الإملاء» من حديث عطاء بن يسار قال: كَتَبَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِي ﷺ فَقَالَ لَهُ: «كَتَبْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:«عَرَضْتَ؟» قَالَ: لَاْ، قَالَ:«لَمْ تَكْتُبْ، حَتَّى تَعْرِضَهُ فيَصِحُّ».
قال أبو الفضل الجارودي: أصدقُ المعارضة مع نفسك. انتهى.