أو أجزت للمسلمين، أو لمن أدرك حياتي، أو لأهل الإقليم الفلانيِّ
قوله:(أَوْ أَجَزْتُ لِلْمُسْلِمِيْنَ) هذا هو النوع الثالث، وهو الإجازة لغير معين بوصف العموم، ومنه أجزتُ أهل زماني أو كلَّ واحدٍ، وقد جوَّزَ الرواية بذلك الخطيب وغيره، وصححه النووي في «الروضة» لكنَّ الأحوطَ ترك الرواية بها، قال شيخ الإسلام: إلَّا أنَّ الرواية بها في الجملة أَوْلَى من إيرادِ الحديث مُعْضَلًا. انتهى.
واستدل لها بحديث:«بَلِّغُوا عَنِّي»، فإنْ قَيَّدَهَا بوصفٍ خاصٍ كأجزتُ طلبةَ العلمِ ببلدِ كذا، أو مَنْ أدرك حياتي، أو مَنْ قرأ علي قبل هذا، فقال عياض: ما أظنهم اختلفوا في جواز ذلك؛ لأنَّه محصور بوصفٍ كقوله: لأولاد فلان أو إخوة فلان.
والرابع من أنواع الإجازة: الإجازةُ لمعيَّن بمجهول من الكتب، كأجزتك بعض مسموعاتي.
الخامسة: عكسه، كأجزتُ لمحمد بن أحمد البخاري مثلًا، وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم.
ولم يتضح مراده في الصورتين وهما باطلان، نعم إن اتضحَ بقرينةٍ صحت الإجازةُ، وإذا قال: أجزتُ لمن يشاء فلان، ففيه جهالة وتعليق، فقيل: لا يصح كما لو قال: أجزتُ لبعض الناس قياسًا على تعليق الوكالة، وقيل: يصحُّ؛ لأنَّ الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة ويتعين المجاز له بها، واحتج له بقوله ﷺ لما أمَّر زيدًا على غزوة مؤتة:«فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَابْنُ رَوَاحَةَ»، فعلَّقَ التأمير، وفرَّق الدَّامَغَاني بينها وبين الوكالة بأنَّ الوكيل ينعزل بعزل الموكِّل بخلاف المجاز.
السادسة: الإجازة للمعدوم، كأجزتُ لمن يولد لفلان، وأجازها الخطيب قياسًا على إجازة بعض الأئمة الوقف على المعدوم، والصحيح بطلانها؛ لأنَّ الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له، فإن عَطَفَهُ على موجود كأجزتُ لفلان ومَن يولد له، أو لك ولعَقِبك ما تناسلوا جاز قياسًا على الوقف.
وأما الإجازة للطفل فتجوز للمميز قطعًا ولغيره على الصحيح؛ لأنها إباحة المجيز للمجاز أن يروي عنه بعد الأهلية لبقاء الإسناد، والإباحة تصح للعاقل وغيره، وكذا للفاسق والمبتدع، ويؤدون إذا زال المانع.