للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما عداه من التَّشديد فهو منافٍ لما جُوِّزت الإجازة له من بقاء السِّلسلة. نعم؛ لا يُشترَط التَّأهُّل حين التَّحمُّل، ولم يقل أحدٌ بالأداء بدون شرط الرِّواية، وعليه يُحمَل قولهم: أجزت له روايةَ كذا بشرطه، ومنه ثبوت المرويِّ من حديث المجيز، وقال أبو مروان الطُّبنيُّ:

قوله: (بِدُوْنِ شَرْطِ الرِّوَايَةِ)؛ أي: بدون أن تتحقق فيه شروط الرواية للحديث، من عدالة وضبط وغيرهما، ثم مع توفر شروط الأداء هل يجوز بدون تلقٍّ من المشايخ؟.

رُوِيَ عن الحافظ أبي بكر محمد بن خير الأموي قال: اتفق العلماء على أنَّه لا يصحُّ لمسلمٍ أن يقول: قال رسول الله كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويًّا ولو على أقلِّ وجوه الروايات.

وتَعَقَّبَهُ الزَّركشي فقال: نقلُ الإجماعِ عجيبٌ، وإنَّما حُكِيَ ذلك عن بعض المحدثين، ثمَّ هو معارضٌ بنقل ابن بُرهان إجماع الفقهاء على الجواز، فقال: ذهبَ الفقهاءُ كافةً إلى أنَّه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صحَّ عنده نُسخةٌ جازَ له العمل بها وإن لم يسمع، وحكى أبو إسحاق الإِسْفَرَايِينِي الإجماعَ على جوازِ النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شاملٌ لكتب الحديث والفقه، قال إِلْكِيَا الطَّبَرِي: من وجد حديثًا في كتابٍ صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به، وقال قوم: لا يجوزُ؛ لأنَّه لم يسمعه، وهذا غلطٌ، وقال ابن عبد السلام: اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة وكذا في النحو واللغة وسائر العلوم، لحصول الثقة بها وبُعْدِ التدليس، ومَن اعتقدَ أنَّ الناس قد اتفقوا على الخطأ فهو المُخْطِئ، وقد جنحَ الشارعُ إلى قول الأطباء في صورٍ، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلَّا عن قوم كفار، ولكن لما بَعُدَ التَّدْلِيْسُ فيها اعتُمِدَ عليها كما اعتُمِدَ في اللغة على أشعارِ العرب وهم قوم كفارٌ لِبُعْدِ التَّدْلِيْسِ. انتهى.

قال الحافظ السيوطي: وكُتُبُ الحديثِ أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها؛ لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها، فمن قال: شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه، فقد خرق الإجماع، وغايةُ المُخرِّجِ أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه.

قوله: (وَعَلَيْهِ) الظاهرُ أنَّ الضمير يعود على العلم الإجمالي المتقدم.

<<  <   >  >>