وقال الحاكم: لا يحلُّ أن يقول: (مثله) إلَّا إذا علمَ أنهما اتفقا في اللفظ، ويحل أن يقول:(نحوه) إذا كان بمعناه. انتهى.
قيل: هذا مبنيٌّ على عدمِ جوازِ الروايةِ بالمعنى، وإلَّا جازَ مُطلقًا، وإذا كان في سماعه بعضُ الوهنِ فعليه بيانه بحالِ الرواية، فإنَّ في إِغفاله نوعًا من التَّدْلِيس وذلك كَأَنْ يَسْمَعَ من غيرِ أصلٍ، أو يحصل عند القراءة نوم أو حديث أو نحوه.
وأما الروايةُ بالمعنى فإن لم يكن الرَّاوي عالمًا بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيرًا بما يُحيل معانيها، بصيرًا بمقاديرِ التفاوت بينها، لم تجزْ له الرواية لما سمعه بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين لفظُ ما سمعه، أما إن كان عالمًا بذلك، فقيل كذلك مطلقًا، وقيل: تجوز للصحابي دون غيره؛ لأنهم جُبِلوا على الفصاحة والبلاغة، وقيل: بالعكس، وقيل: لمن نَسِيَ اللفظ، وقيل: بالعكس ليتمكن من التصرف فيه، والذي عليه جمهور السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة جوازُ الرواية بالمعنى مُطلقًا إذا قطعَ بأدائه، وذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسَّلف ويدلُّ عليه روايتهم للقصة الواحدة بألفاظٍ مختلفةٍ.
وقد وردَ في المسألة حديثٌ مرفوعٌ رواه الطَّبراني في «كبيره» من حديث عبد الله بن سليمان [عن أبيه](١) قال: قلت: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيْثَ لَاْ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أُؤَدِّيَهُ كَمَا أَسْمَعُ مِنْكَ، يَزْيدُ حَرْفًا أَوْ يَنْقُصُ حَرْفًا؟ فَقَالَ:«إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا ولم تُحَرِّمُوا حَلَالًا وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلا بَأْسَ»، فذُكِرَ ذلك للحسن فقال: لولا هذا ما حدَّثنا.
واستدلَّ لذلك الشافعي بحديث:«أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» قال: فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرفٍ، علمًا منه بأنَّ الحفظ قد يزلُّ لتَحِلَّ لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كانَ ما سوى كتاب الله أولى بذلك، قال ابن الصلاح: هذا الخلافُ إنَّما يجري في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير شيء من تصنيفٍ وإبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعًا، قال في «شرح التقريب»: لأنَّ الرواية بالمعنى رَخَّصَ فيها مَن رخَّصَ لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب؛ ولأنَّه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره. انتهى.