للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنزل في جوارنا، فحملني معلِّمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الخُتَّليُّ إليه، فقال له: أسألك أن تحدِّث هذا الصَّبيَّ عن مشايخك، فقال: ما لي سماعٌ، قال: فكيف وأنت فقيهٌ؟ فما هذا؟ قال: لأنِّي لمَّا بلغت مبلغ الرِّجال؛ تاقت نفسي إلى معرفة الحديث ورواية الأخبار وسماعها، فقصدت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ ببخارى صاحب «التاريخ»، والمنظور إليه في علم الحديث، وأعلمته مرادي، وسألته الإقبال على ذلك، فقال لي: يا بنيَّ؛ لا تدخل في أمرٍ إلَّا بعد معرفة حدوده، والوقوف على مقاديره، فقلت: عرِّفني -رَحِمَك الله- حدود ما قصدتك له، ومقادير ما سألتك عنه، فقال لي: اعلم أنَّ الرَّجل لا يصير محدِّثًا كاملًا في حديثه إِلَّا بعد أن يكتب أربعًا مع أربعٍ، كأربعٍ مثل أربعٍ، في أربعٍ عند أربعٍ، بأربعٍ على أربعٍ، عن أربعٍ لأربعٍ، وكلُّ هذه الرُّباعيَّات لا تتمُّ إلَّا بأربعٍ مع أربعٍ، فإذا تمَّت له كلُّها؛ هان عليه أربعٌ، وابتُلِي بأربعٍ، فإذا صبر على ذلك، أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربعٍ، وأثابه في الآخرة بأربعٍ. قلت له: فسِّر لي -رحمك الله- معاني ما ذكرت من أحوال هذه الرُّباعيات، من قلب صافٍ بشرحٍ كافٍ وبيانٍ شافٍ؛ طلبًا للأجْر الوافي، فقال: نعم؛ الأربعة التي يُحتَاج إلى كتبها هي: أخبار الرَّسول وشرائعه، والصَّحابة ومقاديرهم، والتَّابعون وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم، مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأحوالهم وأزمنتهم؛ كالتَّحميد مع الخطب، والدُّعاء مع التَّوسُّل، والبسملة مع السُّورة، والتَّكبير مع الصَّلوات؛ مثل: المُسنَدات والمُرسَلات والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه، وفي شبابه وفي كهولته، عند فراغه وعند شغله، وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار، والبلدان (١) والبراري،

قوله: (الخُتَّلِيُّ) بضم الخاء المعجمة وتشديد الفوقية نسبة إلى خُتَّل، كوْرَةٌ خلفَ جيحون، كما في «التبصير».

قوله: (وَالْمَنْظَور) عطفٌ على صاحب.


(١) في (د): «الوديان».

<<  <   >  >>