للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقَّ استقرائه لوجد جملةً من الكتاب ناقضةً لدعواه.

وقوله: (لَوَجَدَ جُمْلَةً مِنْ الكِتَابِ نَاقِضَةً لِدَعْوَاهُ)؛ أي: كالغرائب السالفة، وقد أجيبَ عن الحاكم بأنَّهُ إِنَّما أرادَ أنَّ كُلَّ راو في الكتابين يشترط أن يكون له راويان، لا أنَّه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه، فليس المراد أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابِيِّه، ثم عن تابِعيِّه فمن بعده فإن ذلك يعز وجوده، وإنَّما المراد أنَّ هذا الصحابي وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حدِّ الجهالة.

وقال شيخ الإسلام: كأنَّ الحازمي فهم ذلك من قول الحاكم كالشهادة على الشهادة؛ لأنَّ الشهادة يشترط فيها التعدد مع أنَّه يحتمل أن يريد بالتشبيه بعضَ الوجوه لا كلَّها؛ كالاتصال واللقاء وغيرهما.

وقال بعضهم: ليس من الإنصاف إلزام الشيخين هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به.

قال شيخ الإسلام: وهذا كلام مقبول. انتهى.

قال في «مقدمة الفتح»: ما ذكره الحاكم وإن كان منتقضًا في حقِّ بعض الصحابة الذين خرَّج لهم إلَّا أنَّه معتبرٌ في حقِّ من بعدهم فليس في الكتاب حديثٌ أصلٌ من رواية مَن ليس له إلَّا راو واحد فقط، وقال الحازمي ما حاصله: شرط البخاري أن يخرِج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه الملازمة الطويلة، وقد يخرج أحيانًا عن الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن روى عنه فلم يلزمه إلَّا ملازمة يسيرة، وشرط مسلم أن يخرج حديث هذه الطبقة الثانية، وقد يخرج حديث من لم يسلمْ من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه؛ كحماد بن سلمة في ثابت البناني.

وقال النووي: المراد بقولهم: على شرطهما، أن يكون رجال إسناده في كتابيهما، وللحازمي في كتابه «شروط الأئمة» كلام جامع في شرط الشيخين وغيرهما حاصله أنَّ مذهب مَن يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه وهم ثقات أيضًا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزم إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلَّا في الشواهد والمتابعات، وهذا باب فيه غموض وطريقه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم، ولنوضح ذلك بمثال، وهو أن تعلم أنَّ أصحاب الزهري مثلًا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزيَّةٌ على التي تليها، فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو غاية قصد البخاري كمالك وابن عيينة.

والثانية: شاركت

<<  <   >  >>