للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو الذي حملني على إخراج «الجامع الصَّحيح»، وقال: ما كتبت في «الجامع (١) الصَّحيح» حديثًا إلَّا اغتسلت قبل ذلك وصلَّيت ركعتين، وقال: خرَّجته من نحو ستِّ مئة ألف حديثٍ، وصنَّفته في ستَّ عشْرةَ سنةً، وجعلته حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى، وقال: ما أدخلت فيه إلَّا صحيحًا، وما تركت من الصَّحيح أكثرُ حتَّى لا يطولَ، وقال: صنَّفت كتابي «الجامع» في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثًا حتَّى استخرت الله تعالى وصلَّيت ركعتين، وتيقَّنت صحَّته.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله تعالى: والجمع بين هذا وبين ما رُوِيَ: أنَّه كان يصنِّفه في البلاد: أنَّه ابتدأ تصنيفه وترتيب أبوابه في المسجد الحرام، ثمَّ كان يخرِّج الأحاديث بعد ذلك في بلده (٢) وغيرها، ويدلُّ عليه قوله: إنَّه أقام فيه ستَّ عشْرةَ سنةً، فإنَّه لم يجاور بمكَّة هذه المدَّة كلَّها.

وقد روى ابن عديٍّ عن جماعةٍ من المشايخ: أنَّ البخاريَّ حوَّل تراجم «جامعه» بين قبر النَّبيِّ ومنبره، وكان يصلِّي لكلِّ ترجمةٍ ركعتين، ولا ينافي هذا أيضًا ما تقدَّم؛ لأنَّه يحمل على أنَّه في الأوَّل كتبه في المُسودَّة،

قوله: (فَهُوَ الَّذِي حَمَلَنِي … ) إلى آخره، قد يُقال هذا يُعارض ما أسلفناهُ عنه أنَّه قال: كنا عند إسحاق ابن رَاهُوْيَه فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة النَّبيِّ ، قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع الجامع الصحيح، قلتُ: يُمكنُ الجمع بحصولِ كلٍّ ولا مانع من تعددِ السببِ.

قوله: (مَا أَدْخَلْتُ فِيْهِ إِلَّا صَحِيْحًا) تقدَّمَ أنَّ المرادَ: ما ذكرتَ فيهِ مُسندًا إلَّا ما صحَّ.

وقال القُرطبي: وكذلك لا يُعَلِّقُ في كتابه إلَّا ما كان صحيحًا في نفسه مُسندًا كذلك لكنه ليس على شرطه، فلم يسنده ليفرِّقَ بين ما كان على شرطه في أصل كتابه وما كان ليس كذلك.

قوله: (ثُمَّ كَانَ يُخَرِّجُ الأَحَادِيْثَ بَعْدَ ذَلِكَ … ) إلى آخره، يظهُر لي عكسُ ذلك، وأنَّه خَرَّجَ الأحاديث أولًا في تلك المدة وجمعها في مُسوداتها، ثم ترجم لها وبيضها في المسجد الحرام، وبين قبر ومنبر النَّبيِّ .


(١) في غير (د): «كتاب».
(٢) في (د): «بلد أهله».

<<  <   >  >>