للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعرفة الرِّواية للمعنعِن عن المَعنعَن عنه خُلْفٌ، صرَّح باشتراط اللِّقاء عليُّ بن المدينيِّ، وعليه البخاريُّ، وجعلاه شرطًا في أصل الصِّحَّة، وعَزَاه النَّوويُّ للمحقِّقين، وهو مُقتضَى كلام الشَّافعيِّ، ولم يشترطه مسلمٌ، بل أنكر اشتراطه في مقدِّمة «صحيحه»، وادَّعى أنَّه قولٌ مُختَرعٌ لم يُسبق قائله إليه.

وقوله: (وَمَعْرِفَةُ الرِّوَايَةِ … ) إلى آخره؛ أي: ومعرفةُ المُعَنْعِنِ بالرِّواية عن المُعنعن عنه كما اشترطه بعضهم، وهو أبو عمرو الدَّامغاني.

قوله: (بِاشْتِرَاطِ اللِّقَاءِ … ) إلى آخره؛ أي: فقط ولم يشترط ما بعده.

قوله: (وَجَعَلَاهُ)؛ أي: ابن المديني والبخاري، واشتراط البخاري ذلك هو المشهور عنه، وقيل: لم يشترطه في أصل الصحة وإنَّما التزمه في «جامعه».

قوله: (وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ لِلْمُحَقِّقِيْنَ)؛ أي: فقول مسلم إنَّه قول (مخترع) قول مختلق.

قوله: (وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ)؛ أي: اللقاء بالفعل الذي اشترطه البخاري وشيخه، بل اكتفى بإمكانه، وعبَّرَ عنه بالمعاصرة.

وقوله: (بَلْ أَنْكَرَ اشْتِرَاطَهُ)؛ أي: فقال: إن اشتراط ثبوت اللقاء قولٌ مخترع لم يسبق قائله إليه، وإنَّ القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا أنَّه يكفي أن يثبت كونهما في عصر واحد، وإنْ لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها. انتهى.

قال ابن الصلاح: وفيما قاله مسلم نظر؛ فليس له حكم الاتصال ما لم يكن له من شيخه إجازة. انتهى.

قال شيخ الإسلام: مَن حكم في المُعَنْعَنِ بالانقطاع مُطلقًا شَدَّدَ، ويليه من شَرَطَ طولَ الصحبة، ومن اكتفى بالمعاصرة سهَّل، والوسط الذي ليس بعده إلَّا التعنت مذهب البخاري ومن تبعه.

فائدتان:

الأولى: قال ابن حجر: قد ترد (عن) ولا يُراد بها بيانُ حكم اتصال أو انقطاع بل ذكره قصة سواء أدركها أم لا، بتقدير محذوف؛ أي: عن قصة فلان أو شأنه أو غير ذلك، كما رواه أبو إسحاق السَّبيعي عن عبد الله بن خَبَّاب بن الأرتّ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ الحَرُوْرِيَّةُ فَقَتَلُوْهُ حَتَّى جَرَى دَمُهُ فِيْ النَّهْرِ. فهذا لا يُمكن أن يكونَ أبو إسحاق سمعه من ابن خباب كما هو ظاهر العبارة؛ لأنَّه هو المقتول، قال السيوطي: السماع إنَّما يعتبر في القول، أما الفعل فالمُعتبر فيه المشاهدة وهذا واضح.

<<  <   >  >>