للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبدنا داود ذا الأيدي﴾ [ص: ١٧]، ﴿واذكر عبدنا أيوب﴾ [ص: ٤١]، ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ [الإسراء: ١]، فهذه العبودية الخاصة.

القسم الرابع: عبودية الأشياء؛ كعبد الدنيا وشهواتها، وهو المذكور في قوله : «تَعِس عبدُ الدِّينار والدِّرهم، والقَطيفة، والخَمِيصة؛ إن أُعطي رَضِي، وإن لم يُعط لم يَرْضَ» (١)، فهذا فِيمَن استعبدته الدنيا وملذَّاتها فأصبح لها عبدًا.

لذا يلزم التفريق في استعمالات هذه الكلمة، حتى يتضح المراد بها.

فالعبودية على نوعين: عبودية عامَّة. وعبودية خاصَّة.

فالعبودية العامَّة: عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله؛ بَرِّهم وفاجرهم، مُؤمنهم وكافرهم. فهذه عبودية القَهر والمُلك؛ قال تعالى: ﴿وقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنشَقُّ الأَرْضُ وتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا ومَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ ولَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٨٨ - ٩٣]، فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم.

وقال تعالى: ﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل﴾ [الفرقان: ١٧]؛ فسَمَّاهم عِبَادَه مع ضلالهم، ولكنها تسمية مُقَيَّدة بالإشارة، وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾ [الزمر: ٤٦]، وقال: ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلمًا لِّلعِبَاد﴾ [غافر: ٣١]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَاد﴾ [غافر: ٤٨]؛ فهذا يتناول العبودية الخاصة والعامة.

وأما النوع الثاني: العبودية الخاصة، وهي عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، وقد جاءت تسميتهم مُطلقة.

قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ ولَا أَنتُمْ تَحْزَنُون﴾ [الزخرف: ٦٨]، وقال: ﴿وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الزخرف: ٦٨].

وأخرج الطبريُّ عن الربيع في قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٩٩] إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْركُونَ﴾ [النحل: ١٠٠] يُقال: إنَّ عدوَّ الله إبليس قال: ﴿لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾


(١) أخرجه البخاري (٦٤٣٥). والقطيفة: كساء أو فراش له أهداب. والخميصة: ثَوب أسود أو أحمر له أعلامٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>