للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ص: ٨٣، ٨٢] فهؤلاء الذين لم يُجعل للشيطان عليهم سبيلٌ، وإنَّما سُلطانه على قومٍ اتَّخذوه وليًّا، وأشركوه في أعمالهم» (١).

فعباد الله حقًّا هم الذين قال لإبليس عنهم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِين﴾ [الحجر: ٤٢].

قال الإمام ابن كثير : «وقوله: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ [الحجر: ٤٢] أي: الذين قَدَّرْتُ لهم الهدايةَ؛ فلا سبيلَ لك عليهم، ولا وصولَ لك إليهم، ﴿إلَّا مَنْ اتبعك من الغاوين﴾ [الحجر: ٤٢] استثناء مُنقطع» (٢).

والاستثناء المُنقطع معناه: أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ولا بعضه.

والمعنى هنا: أنَّ هؤلاء الغاوين المتبعين لإبليس ليسوا عبادًا لله حقًّا؛ أي: العبودية الخاصة.

قال الإمامُ ابنُ القَيِّم : «وإنَّما انقسمت العبوديَّةُ إلى خاصَّة وعامة؛ لأنَّ أصلَ معنى اللفظة [أي: العبودية]: الذُّلُّ والخضوع؛ يُقال: طريق مُعَبَّد إذا كان مُذَلَّلًا بوطء الأقدام، وفلان عَبَّده الحبُّ إذا ذلَّلَه.

لكِنْ أولياؤه خَضعوا له وذَلُّوا طوعًا واختيارًا وانقيادًا لأمره ونهيه، وأعداؤه خَضعوا له قهرًا ورغمًا» (٣).

ووصفُ عبيد ربوبيته بالعبودية لا يأتي إلا على أحد خمسة أوجه:

فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأمَّا أهل طاعته وولايته: فهم عبيد إلهيته.

ولا يجيء في القرآن إضافة العباد إليه مطلقًا إلا لهؤلاء المُخْلَصِين.

وأمَّا وصف عبيد ربوبيته بالعبودية؛ فلا يأتي إلا على أحد خمسة أوجه:

الأول: إمَّا مُنَكَّرًا؛ كقوله: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣].

والثاني: مُعَرَّفًا بالألف واللام؛ كقوله: ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلمًا لِّلعِبَاد﴾ [غافر: ٣١]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَاد﴾ [غافر: ٤٨].

الثالث: مُقَيَّدًا بالإشارة أو نحوها؛ كقوله: ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل﴾ [الفرقان: ١٧].


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٧/ ٢٩٥).
(٢) «تفسير ابن كثير» (٤/ ٥٣٥).
(٣) «مدارج السالكين» (١/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>