للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرابع: أن يُذكروا في عموم عباده؛ فيَندرجوا مع أهل طاعته في الذِّكر؛ كقوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾ [الزمر: ٤٦].

الخامس: أن يُذكروا موصوفين بفعلهم، كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣].

وقد يقال: إنَّما سَمَّاهم (عباده) إذا لم يَقنطوا من رحمته، وأنابوا إليه، واتَّبعوا أحسن ما أُنزل إليهم من ربهم؛ فيكونون من عبيد الإلهية والطاعة (١).

ومدار النزاع مع المخالف في هذا الباب جاء من عدم فَهمهم للفرق بين العبودية الخاصَّة والعبوديَّة العامَّة؛ فمن اتضح له الفرقُ بين العبودية الخاصة والعبودية العامة، عَرف أين مقام الثناء، وأين مقام الذَّمِّ؟

فمقام الثناء هو لأهل العبودية الخاصة؛ فلذلك نَعَتَهم اللهُ تعالى بجَمْعهم وأفرادهم؛ لأن مقامَ هذه العبوديةَ أشرفُ المقامات، ومرتبتها أعلى المرتبات؛ فبها تشَرَّفت الملائكة؛ قال : ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦]، وقال : ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦، ٢٧].

والعبودية هي مقام التشريف لأنبياء الله ورسله، وهم أعلى مُكَلَّفين في مراتب العبودية؛ قال ﷿: ﴿وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ﴾ [الصافات: ١٧١، ١٧٢]، وقال جل وعلا: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص: ٤٥]، ووصف سبحانه أيوبَ الذي ابتلي طويلًا بقوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤]، وأثنى على سليمان الذي وهبه الملك العظيم بقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠]، أمَّا عيسى فقد ردَّ سبحانه على مَنْ أَلَّهوه بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩]، ولذلك استشهد هنا شيخ الإسلام بقول النبي : «لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَم؛ فَإِنَّمَا أَنا عبدُه، فَقولُوا: عبدُ اللهِ ورَسُولُه» (٢).

فهذه العبودية تُطلق في مقام المدح والثناء، إذ هي شرفٌ للعبد؛ لذلك وصف الله ﷿ بها نبيَّه في أعلى المقامات: ففي مقام الإسراء قال :


(١) انظر: «مدارج السالكين» (١/ ١٠٦).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٤٥) من حديث عمر بن الخطاب .

<<  <  ج: ص:  >  >>