للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ (١). " (٢)

قال ابن تيمية: "ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن يكون الله -تعالى-فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له، فكان هذا خطابنا، فلهذا لم يقابل جهله وافتراؤه بالتكفير بمثله" (٣)

فسلك مع المخالفين طريقين:

- الطريق الأول وهو: الشدة والغلظة معهم.

- والطريق الآخر وهو: الرأفة والرحمة به.

ولا تعارض في هذا، فمن جهة أنه باطل فلابد أن يُردع، ولا بد أن يُقاوم، ولا بد أن يُرد على أصحابه، ولابد أن يُؤدبوا، فلا بد من الشدة عليهم.

ومن جهة أخرى هؤلاء حيارى، وابتعدوا عن طريق الحق فيجب على الإنسان من جهة أن يتلطف معهم في إرشادهم إلى الحق، فإذا كان المقام مقام تعليم، ومقام مناظرة، فهنا ينبغي التلطُّف معهم.

فمقام الرد على البدعة ودفعها لابد من الشدة، والغلظة، والهجر.

وهذا المنهج حبذا أن يأخذ به طلاب العلم.

فإن الهجر والغلظة في مواطن محدودة، وليست في كل الأحوال، وكذلك في المقابل اللين والرأفة والرحمة أيضًا في مواطن، وليست في كل الأحوال.

فبعض طلبة العلم-هداهم الله-بمجرد أن يرى مخالفًا يعبس في وجهه، ويُطبق عليه أحكام أهل البدع، مع أنه لو بين له الحق وأرشده وأخذ بيده، وبين له الدليل والبرهان، أو أحضره إلى مجالس أهل العلم، فلعله بهذا تنجلي له الحقائق، ويتبصر ويذعن للحق.


(١) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي: الْبُخَارِيِّ ٦/ ٣٧ - ٣٨ كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، بَابُ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ وَنَصُّهُ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ ٢/ ٧٧ ط. دَارَ الشَّعْبِ
(٢) منهاج السنة النبوية ٥/ ١٥٧
(٣) الاستغاثة في الرد على البكري ١/ ٢٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>