للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولذلك يقول ابن تيمية: «أهل السنة أعرف الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق» (١).

فينبغي أن يكون صاحب السنة رحيمًا بأمثال هؤلاء، فلعلَّ هذا الرفق يلين قلب هذا المخالف وتنجلي بصيرته.

فإذًا الحكمة في الدعوة تتطلب الشدة أحيانًا، وتتطلب اللين أحيانًا.

وعلى الداعية أن يواجه هذا الأمر بحسب ما يستدعيه الحال، فإذا كان الشخص معرضًا تمامًا عن الحق وفي ذات الوقت مجتهدًا في باطله ويدعو إليه، فمثل هذا لا نلين معه بأي حال، لكن لو أن شخصًا نرى أن هذه الأمور الباطلة قد تمكَّنت في نفسه، ويكتمها في نفسه، ولا يدعو إليها فمثل هذا لا يمكن أن نأخذه بالشدة، بل نأخذه باللين، ونعلم أنه هذا صاحب حيرة، وأن الشيطان قد استحوذ عليه؛ فلابد من الرفق معه حتى يستمع للحق.

فمن سمات أهل السنة أنهم يعطون كل ذي حق حقه.

قال ابن تيمية : "ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم". (٢)

وقال ابن تيمية: "وهذه حال أهل العلم والحق والسنّة؛ يعرفون الحق الذي جاء به الرسول؛ وهو الذي اتفق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول؛ ويدعون إليه؛ ويأمرون به نصحاً للعباد، وبياناً للهدى والسداد. ومن خالف ذلك لم يكن لهم معه هوى، ولم يحكموا عليه بالجهل، بل حكمه إلى الله والرسول؛ فمنهم من يُكفره الرسول، ومنهم من يجعله من أهل الفسق أو العصيان، ومنهم من يعذره ويجعله من أهل الخطأ المغفور. والمجتهد من هؤلاء المأمور بالاجتهاد، يجعل له أجراً على فعل ما أمر به من الاجتهاد، وخطؤه مغفور له؛ كما دلّ الكتاب. " (٣)

وقال ابن تيمية: "وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَأَرْحَمُ بِالْخَلْقِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ


(١) منهاج السنة النبوية الجزء الخامس صفحة (١٥٨).
(٢) منهاج السنة النبوية ٤/ ٥٤٣
(٣) النبوات لابن تيمية ١/ ٤٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>