فالتيار الفلسفي والكلامي بتفرعاته ومدارسه وطوائفه إنما هو نتاج هذه المقالة الخبيثة التي تولى كبر إظهارها شيخ المعطلة النفاة الجعد بن درهم، وتبعه في ذلك تلميذه الجهم بن صفوان ثم توالت طوائف الباطل تذكى نار هذه المقالة وتنفث من خلالها سمومها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه. "
هذا يبين ويؤكد فساد الأصول التي بنى عليها المعطلة اعتقادهم في هذا الباب وفي غيره. فكل هذا تأكيد لما ذكرناه أولاً من أن الصراع قائم بين منهجين؛ منهج يعتمد الوحيَ ومنهج يعتمد العقل على حد زعمهم، وإن كان الأمر كما يقول شيخ الإسلام في كتابه العظيم «درء تعارض العقل والنقل» أنه ليس هناك تعارض بين العقل والنقل، وبالله كيف للعقل أن يتدخل في أمرٍ هو غيب؟
فلو قيل لأحد من وراء هذا الجدار؟ أو ماذا يحدث خلف هذا الجدار؟ ما استطاع أن يجيب، لأنه شيءٌ غيبه الله ﷿ عنه، والله يقول: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠]، فنفى الإحاطة - إحاطة علم الإنسان بالله تعالى، وقال عن محدودية علم الإنسان: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥]، وقال هذا في مقامٍ هو عند ذكر الروح، فليس إلى ذلك من سبيل.
فأنى للإنسان أن يخوض في هذه المسائل بعقله فيحدد ما يستحقه الله وما لا يستحقه الله تعالى، ويحاد ويعارض الوحيَ الذي أخبر فيه الله تعالى عن أسمائه وصفاته وأفعاله، فيقول:«استوى» وأنت تقول: لا؟ ويقول «نزل» وتقول أنت: لا؟ فكيف لعاقل أن يقبل مثل هذا الرد ومثل هذا الإعراض عن كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ؟
وهذا حقيقة الصراع، وبعد هذا يبدأ من هنا يتربى الإنسان وينشأ، فإما أن يربي ويُنشأ على هذه المناهج وعلى قواعدها وعلى منطقها، وبالتالي هنا هؤلاء يجعلون دراسة المنطق أمراً لابد منه وأمراً حتمياً لمن يدرس باب الاعتقاد، وإما أن تجعل الأصل هو الكتاب والسنة وتُنَشَّأ وتُربى على مثل هذا، فأنت بين هذين الطريقين.
والسؤال الذي يوجه لكل من سيتولى تعليم جيل من الأمة، على أي المذهبين تسلك؟ وعلى أي الطريقين تسير؟ هل يا ترى ستجعلهم على منهج الوحي يتربون وينشؤون ويتعلمون ويدينون لله تعالى بما أخبر وبما أمر ﷾؟ أم أنك ستحيد عن هذا وتختار تلك المناهج الباطلة الفاسدة وتربيهم على مثل ذلك؟ وبالتالي النتيجة