وهكذا بنو العباس أيضًا لهم مواقف بين مؤيد لأهل البدع ومدافع عن السنة. فمثلاً: هارون الرشيد ومن قبله، كانت لهم مواقف محمودة في حرب أهل البدع، وهكذا الهادي والمهدي إلى أن جاء المأمون؛ فالمأمون، والمعتصم، والواثق هؤلاء كانوا مناصرين لأهل البدع، وكان المأمون أول من انتصر لأهل البدع، وجعل السلطة بأيديهم، إلى أن جاء المتوكل فأعاد الأمور إلى نصابها، والتاريخ يحتاج إلى من يتأمل فيه، حتى يتبين للناس كيف هي مواقف الخلفاء والأمراء من البدع وأهلها، فبنو العباس كان منهم من هو مناصر للسنة، وكان منهم من هو مناصر لأهل البدع والأهواء.
وأما الجانب المقالي:
يقول ابن القيم عن تاريخ التسلسل المقالي لهذه المقالة مع ما سبقها من مقالات:(مضى الرعيل الأول [من الصحابة] في ضوء ذلك النور لم تطفئه عواصف الأهواء، ولم تلتبس به ظلم الآراء وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النور الذي اقتبسوه منهم، وأن لا يخرجوا عن طريقهم، فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمة، ومع هذا لم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها دون من قبلهم، ورأوا أنهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم، فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرؤوا منهم، وحذروا من سبيلهم أشد التحذير، وكانوا لا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا.
فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين أولاً مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه ولهذا كان يسمى مروان الجعدي، وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة وشتتهم في البلاد ومزقهم كل ممزق ببركة شيخ المعطلة النفاة" (١)
فهذه المقالة سبقها مقالات، مثل: مقالة الخوارج ومقالة التشيع وكذلك مقالة