للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذا أول كتاب الإرشاد للجويني، في أول مسألة يقررها يقول: "بابٌ في أحكام النظر" أي النظر في وجود الله، فأول مسألة يقررها يقول: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدث العالم" (١) وهذه عبارات كلامية يصعب فهمها فلو قرأت من هذا عشرات الصفحات لابد أن تكون قد درست المنطق والفلسفة لكي تستطيع أن تفهم.

لكن مراده بهذا: أنه يجب على الإنسان إذا بلغ سن البلوغ أن ينظر في وجود الله، وعندهم أن هذا النظر لابد أن يسبقه شك أولاً بوجود الله، فأين الدليل من كلام الله وكلام رسوله الذي يوجب على المسلم أن ينظر بعد بلوغه سن التكليف.

والسؤال الذي يفرض نفسه لكل من قد تجاوز سن البلوغ، هل قام بهذا الواجب الذي أوجبه الجويني، لأنه ليس في كلام الله وكلام رسوله ما يوجب ذلك، فما يقرره ليس مبنياً على الكتاب والسنة بل على الفلسفة والمنطق.

ولذلك لا تجد مدرسة أشعرية إلا والفلسفة والمنطق يُدرسان فيها؛ لأنهما هما السبيلان الوحيدان لفهم مثل هذه الكتب، ولا تجد اعتناءً ولا اهتماماً بالكتاب ولا بالسنة في هذه المسائل من مسائل الدين وهذا لا يعني التعميم فالأشاعرة على سبيل المثال يأخذون في باب السمعيات كما يسمونه أي ما يتعلق باليوم الآخر وأشراط الساعة والوعد والوعيد ونحوها بكلام الله وكلام رسوله ولذلك سمو هذا الباب باب السمعيات وكذلك الشأن في الأمور العملية المتعلقة بالعبادات والمعاملات يأخذون بالكتاب والسنة دون باب الإلهيات والنبوات بحسب تقسيمهم لأبواب الاعتقاد.

والسؤال الذي يفرض نفسه هل يقبل أن نأخذ أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج والمعاملات وغير ذلك والآداب والأخلاق واليوم الآخر وأشراط الساعة من الكتاب والسنة وتترك أبواب الإلهيات والنبوات؟ هذا أمر غير مقبول.

لذلك شيخ الإسلام هنا يريد أن يقرر هذه المسألة، وأن الذي يجب على الإنسان أن يرجع إليه ما دام أن الاختلاف قد حصل ووقع إنما هو الرجوع للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، فذلك الذي يحتكم إليه في حال وقوع النزاع بين هؤلاء جميعاً.


(١) الإرشاد للجويني ص ١١

<<  <  ج: ص:  >  >>