للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدع الجهم

إن جهم بن صفوان -كغيره من أهل البدع -لم يعط الكتاب والسنة حقهما، بل استدل بآيات متشابهات، وأول القرآن على غير تأويله (١)، وحرفه عن مواضعه.

ولا غرو في ذلك، فإنه كان يزعم أن القرآن مخلوق، وهو قول يتوصل به إلى إنكار الوحي، والحط من علو مرتبة القرآن وهيبته في النفس".

لذا بني مقالته في الصفات على آيات ثلاث فقط، وأهمل الآلاف من الآيات المحكمات، وأول هذه الآيات المتشابهات على غير تأويلها. يقول الإمام أحمد عنه أنه «وجد ثلاث آيات في كتاب الله ﷿ من المتشابه، قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشوري: ١١]، وقوله: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ)» [الأنعام: ٣]، وقوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) [الأنعام: ١٠٣). فبنى أصل كلامه على هذه الثلاث الآيات، ووضع دين الجهمية، … وتأول كتاب الله على غير تأويله» (٢).

ويكفي للدلالة على موقفه من الكتاب العزيز ما رواه غير واحد من علماء السلف بأسانيدهم عن أبي نعيم البلخي أنه قال: «كان رجل من أهل مرو صديقاً لجهم (وفي رواية: وكأن خاض به)، ثم قطعه وجفاه (وفي رواية: ثم تركهـ وجعل يهتف بكفره)، فقيل له: لم جفوته؟

فقال: جاء منه ما لا يحتمل، قرأت عليه يوما آية كذا وكذا -نسيها الراوي -فقال: ما كان أظرف محمدا (وفي رواية زيادة: حين قالها)، فاحتملتها.

ثم قرأ سورة طه فلما قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥]، قال: أما والله لو وجدت سبيلا إلى حكها، لحككتها من المصحف، فاحتملتها.

ثم قرأ القصص، فلما انتهى إلى ذكر موسى قال: ما هذا؟ ذكر قصة في موضع فلم يتمها، ثم ذكرها ههنا فلم يتمها، ثم رمى بالمصحف من حجره برجليه، فوثب عليه.

وفي رواية: «جمع يديه ورجليه ثم دفع المصحف، ثم قال: أي شيء هذا؟ ذكره ها هنا فلم يتم ذكره، وذكره ثم فلم يتم ذكره».

وفي رواية ثالثة: «دفع المصحف بيديه جميعا من حجره، فرمي به أبعد ما يقدر


(١) انظر كلام الإمام أحمد هذا في رده على الجهمية (ص ١٠٨).
(٢) الرد على الجهمية (ص ١٠٢ - ١٠٨)، ورواه ابن بطة في الإبانة، كتاب الرد على الجهمية (٢/ ٨٧ - ٨٩)، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>