للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وشهد عليه علماء الحديث أنه لا يعرف بفقه ولا ورع ولا صلاح (١)، وعرف عنه أنه لم يجالس العلماء، ولا روي شيئا من الأحاديث (٢).

والذي يعرض عن المصدرين الأساسين سيقع حتما في مخالفة السلف الصالح وإجماع المسلمين، كما نص غير واحد من علماء الإسلام على ذلك. وقد بين كثير من العلماء مخالفة جهم لإجماع المسلمين (٣)، بل ومخالفة جماهير العقلاء من الأولين والآخرين (٤).

فهذه الأمور -أعني الإعراض عن الكتاب والسنة وسلف الأمة-يجتمع فيها جميع أهل البدع على خلاف بينهم في درجة ومستوى مخالفتهم لهذه الأصول (٥).

غير أن الذي ابتدعه جهم بن صفوان وأختص به من بين سائر الفرق قبله هو معارضة النصوص بما يزعم أنه عقل. فقد بين ابن القيم أن الجهمية هم أول من عارض السمعيات بالعقليات من بين الطوائف.

فالشيعة، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، مع أنهم ابتعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأمة، إلا أنهم لم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم للنصوص، «فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين، كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي … وأولهم شيخهم الجعد بن درهم»، إلى أن قال: « … وأصل طريقهم أن الذي أخبرت به الرسل قد عارضه العقل، وإذا تعارض العقل والنقل، قدمنا العقل. قالوا: نحن أنصار العقل، الداعون إليه، المخاصمون له، المتحاكمون إليه … إلخ (٦).

وقال ابن تيمية: «ومعلوم أن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من يعارض النصوص بالعقليات، فإن الخوارج والشيعة حدثوا في آخر خلافة علي، والمرجئة


(١) ذكره شيخ الإسلام في التسعينية (١/ ٢٩٠).
(٢) السنة للخلال (٥/ ٨٥)، ومسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص ٢٩٩)، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١٣/ ١٩١)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (٤٠/ ١٢٠).
(٣) ميزان الاعتدال للذهبي، (١/ ٤٣٦)، ولسان الميزان لابن حجر (٢/ ٣٤٩).
(٤) انظر مثلا: رد الدارمي على بشر المريسي (ص ٢٢٣)، والشريعة للآجري (١/ ٢٣٢)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (٤/ ٥).
(٥) انظر: درء التعارض لابن تيمية (٣/ ٥١).
(٦) انظر: الصواعق المرسلة (٣/ ١٠٧ - ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>